الواوا وثلاثي جبران

نشر في 27-03-2011
آخر تحديث 27-03-2011 | 00:00
 ناصر الظفيري ربما كثيرون من جيلي يحملون الكثير من الامتنان لحركة الأدباء في المهجر العربي الذين أخلصوا لفكرة الثقافة المغايرة، كانت أصواتهم الابداعية والنقدية في حينها تشكل بالنسبة لنا نحن الشباب خطوة أبعد من واقعنا الأدبي الغارق في النقد المدرسي التقليدي.

غربال ميخائيل نعيمه ومرداده، نبي جبران وأجنحته المتكسرة، وأعمال شاعر النجوم ايليا ابو ماضي كانت زادا ثقافيا بطعم جديد، كانت تلك المناهل الشاقة على عقولنا الطرية هي مدرستنا التي وجدنا انفسنا ننتمي إليها ونعتمد على قدراتنا الذاتية في تحليل ما يصعب علينا، فنجلس في دائرة من الأصدقاء نتناول كتبهم وأشعارهم ونتبادل معارفنا كأننا في حلقة خاصة نستعيرها من الغرب العربي البعيد.

كان المهجر مهجرا مختلفا مخلصا لثقافته العروبية وما قدمته رابطة القلم يضاهي ما قدمته المجموعات العربية في الوطن ويتفوق عليها رغم قلة المهاجرين في بدايات القرن العشرين مقارنة بمهجر اليوم الذي اهتم كثيرا بجوانب الحياة الاقتصادية وتجاهل مهمة الثقافة رغم الإمكانات المادية التي تتمتع بها الجالية العربية، فالعرب مثلا هم الجالية الثالثة في أوتاوا واللغة العربية هي اللغة الثالثة بعد الانكليزية والفرنسية ولا تصدر بها جريدة أو نشرة صغيرة من أربع صفحات.

قبل أيام زارت أوتاوا فرقة مسرحية عربية-أميركية لتقدم أحد أعمالها ولليلة واحدة على مسرح سنتر بوينت في وسط العاصمة، وقبل أيام من العرض بيعت جميع تذاكرها التي تجاوزت الألف تذكرة، وهو ما يشير الى شغف الجمهور للأعمال العربية المغتربة، المسرحية حملت اسما تجاريا راهنت عليه فرقة أجيال والتي ارتبطت أخيرا باسم أم حسين الدور الذي يقوم به الفنان ناجي مندلق.

«شوفو الواوا وين» اسم المسرحية، وحضرتها متوقعا لا شيء أكثر من فرقة للهواة العرب في أميركا، ولكن العرض المسرحي كان يمازج بحرفية بين أهداف اجتماعية مباشرة وكوميديا غلب عليها الحوار الحسي وهي ممازجة يتضح منها فهم القائمين على العمل لما يريده الجمهور، قصة المغترب العربي الذي يجد نفسه في عالم أميركي عليه أن يتعايش معه ولكن بذهنية مختلفة عن ذهنية الأميركي الآخر، صراع عنيف على الكسب المادي السريع وقفز على قوانين المجتمع المتساهلة نوعا ما.

مسرحيا كان الفريق متجاوزا مرحلة الهواة قريبا من الاحتراف الأدائي لولا المباشرة في الطرح، لم يكن مطلوبا من مسرح الاغتراب هذا أن يقدم أكثر، فهو مقارنة بأعمال المسرح السائدة حاليا في الوطن ينضوي تحت المدرسة نفسها التي تريد العرض والجمهور معا، وهي معادلة حققتها الفرقة التي استمرت في عروضها أكثر من عشرين سنة.

على نفس المسرح قدمت فرقة تريو جبران نشيجا مذهلا على آلات العود للإخوة جبران، الإخوة سمير ووسام وعدنان أبناء صانع الأعواد جبران ارتبطوا بأشعار الشاعر محمود درويش وقدموا موسيقي تليق بشعر الشاعر. يمتلك الثلاثي كاريزما العازف شكلا ومضمونا كما امتلك الشاعر ذات الكاريزما في حياته، أحدهم يعزف العود ويقوم بصناعته وحائز جائزة المعهد الايطالي للموسيقى، يغترب الإخوة في فرنسا ومنها جاء اسمهم، وتجربتهم تستحق أن ينصفها المشرق العربي كنموذج راق للفن العربي على آلة ارتبطت بالموسيقى العربية وهيمنت على التخت الشرقي.

في المهجر اليوم نماذج رائعة من التجارب الفنية والأدبية وتفتقد المؤازرة وقنوات الانتشار، وتقع عليها مهام لا تستطيع القيام بها وحيدة.

back to top