بوكر دون ضجة
أغلب الصفحات الثقافية وربما الكويتية على وجه الخصوص تجاهلت هذه السنة جائزة البوكر العربية للرواية، وربما كان السبب أن الأحداث الصاخبة التي مرت بها الديار العربية من المحيط الى الخليج طغت على حدث ثقافي. أقول ربما حتى لا أقول إن الجائزة التي تأتي مصحوبة بضجة التكنهات والتوقعات واختلاف آراء النقاد حول وجهتها وتوجهاتها فقدت بريقها ولم تعد تمتلك مقومات الجائزة الرصينة. توقعت هذا العام أن تفوز كاتبة روائية بالجائزة، ولكن ما حصدته الأسماء النسوية هو نصف جائزة رغم أن الأسماء المرشحة كانت تضم روايات لميرال الطحاوي ورجاء العالم ومها حسن.كنت في البحرين في نوفمبر الماضي والتقيت الصديقة والأديبة البحرينية منيرة الفاضل والتي تعرفت عليها في الكويت، حيث نشرت مجموعتها الرائعة الريمورا قبل أن ترحل الى بريطانيا لنيل الدكتوراه في الأدب الإنكليزي وتنشر مجموعتها الثانية للصوت لهشاشة الصدى. لم تتطرق منيرة الفاضل إلى كونها عضوا في لجنة تحكيم الجائزة، لكنها قدمت لي مجموعة من الروايات ضمت أسماء مرشحة للجائزة، ولم أشأ أن أسأل الفاضل عن دورها في لجنة الجائزة القادمة، وآثرت أن أكتم معرفتي حين كتمت عني هذا الدور.
يبدو أن القائمين على الجائزة قد تعلموا درسا قاسيا من التجربة السابقة فرأوا أن يتم كل شيء بصمت وكتمان، حتى يتم الإعلان النهائي عن الاسم الفائز. ولكن ذلك أيضا لم يكن في صالح الجائزة ولا في مصلحة الحاصلين عليها لأن الثراء في نقاش الجائزة كان يحقق لها جذوة من شهرة يحتاج إليها الكاتب أكثر من حاجة الجائزة لها.الملاحظ هنا هو اقتسام الجائزة التي اعتاد القائمون عليها منحها لكاتب منفرد، وكأن اللجنة رأت أن تضع اسم المرأة الروائية على استحياء حتى لا أقول على مضض. رجاء عالم وميرال طحاوي، على وجه الخصوص، كاتبتان لهما تجربة ثرية لا تقل عن تجربة الرجل، وكنت أتمنى أن تفوز احداهما بالجائزة وتحافظ الجائزة على طريقتها في منح الجائزة لأديب واحد كل عام لسبب بسيط هو أن الجائزة لا تحتمل هذه القسمة، خصوصا أننا في العالم العربي لا ننتج روايات كما تنتج بريطانيا التي تمنح الجائزة لفائز وحيد وبقاء الرواية الثانية في اللائحة القصيرة لا يضيرها كثيرا.هناك أكثر من نقطة ايجابية في هذه الدورة بالإضافة إلى منح الأديبة السعودية رجا العالم جائزة تتوج بها أعمالها وجهدها الإبداعي، وهي روائية خرجت من مجتمع ذكوري وأخلصت لعملها الإبداعي منذ بدايات الكتابة النسوية في السعودية لتشكل وزميلاتها أميمة الخميس وفوزية بوخالد وأخريات صوت له ملامح الأدب والحركة والنسوية في آن واحد. أما النقطة الايجابية فهي انسجام لجنة التحكيم التي جاءت هذه المرة منتقاة بشكل جيد وضمت الناقد سعيد يقطين والدكتورة منيرة الفاضل والشاعر أمجد ناصر والمستشرقة الايطالية ايزيبيلا دافيلتو استاذة الأدب العربي في جامعة روما، وهو ما يعني أن الجائزة تقوم بتقييم مسارها بشكل يستحق الثناء وربما سيستمر ذلك بشكل تصاعدي حتى لا تقع الجائزة تحت هيمنة التوزيع الجغرافي أو (الجندر) الاجتماعي وتضع الرواية هدفها الحقيقي.