ديمقراطية دون ثقافتها

نشر في 22-05-2011
آخر تحديث 22-05-2011 | 00:00
 ناصر الظفيري في أكثر من مرة سابقة طرحنا، وشاركنا في ذلك زملاء آخرون، ضرورة الانتباه إلى تدني لغة الحوار وانحدار الوعي بالديمقراطية وثقافة الاختلاف. لم نكن نضرب في الرمل ولا نستشرف المستقبل الأبعد وإنما نقرأ بكل بساطة ما بين أيدينا من معطيات. نقرأ أشكال الاختلاف وكيفية إدارة هذا التباين في الآراء بين أوساط ثقافية واجتماعية وإعلامية وبرلمانية.

لم يكن ما حدث في جلسة أعضاء الشعب ومرشحيه، والذين يفترض أنهم نخبة من الشعب وقع عليهم الاختيار لتمثيل أطياف الشعب، هو وليد لحظة غضب سريعة أو ردة فعل غير مدروسة، ولكنه نتيجة حتمية لفقدان الوعي الذي مضى على ممارسته سنوات سابقة. وهو المحصلة الطبيعية للتشنج والانفعال الذي ساهمت في إذكاء جذوته نخب أخرى من كتاب ومحللين ومعلقين سياسيين.

ليس لعاقل أن يتصور أن كل سنوات الثقافة الديمقراطية الماضية ومحاولات رجالات العمل السياسي والثقافي في الكويت وجهودهم وممارساتهم النيابية ستنتهي الى استخدام العصي و»العقل» والأيدي في النقاش بدلا من استخدام العقل والوعي التراكمي في نقاش أي موضوع مهما كانت درجة تشابكه، ومهما بلغت حدة الاختلاف حوله. وليس لعاقل أن يصدق أن خيارات الشعب الذي بلغ سن الرشد الديمقراطي ستكون مخرجاتها هي مجموعة من الدكاترة والأساتذة ورجال سياسة يلجأون الى أجسادهم وأدوات لباسهم لحسم نقاش ديمقراطي.

لن ندعي أن البرلمان الكويتي هو مجموعة من الملائكة التي لا تخطئ، ولكن ما حدث يشير بشكل قاطع إلى أن الديمقراطية التي نعيشها لم يصاحبها ثقافة اختلاف. وربما تطورت آلية العمل الديمقراطي وتشكل وعي الناخب وأصبح أكثر نضجا ولكن الوعي الذي تدار به هذه الآلية، داخل المجلس وخارجه، بحاجة الى جلسات تثقيفية ضخمة للخروج من حالة الردة التي نعيشها. فنحن مازلنا بحاجة الى وعي تقبل الآخر والرأي المخالف واستخدام لغة بعيدة عن التشنج والانفعال واستيعاب الرأي الذي نراه شاذا ومنفلتا بمزيد من الوعي.

في إحدى جلسات البرلمان البريطاني أيام السيدة مارغريت تشاتشر قام أحد الأعضاء وقال لها بصلافة «انت كاذبة وكلبة لجورج بوش–الأب» وكانت أيامها تبارك جميع خطوات الرئيس الأميركي فردت بكل هدوء «كاذبة لا. كلبة لبوش نعم». لم ينهض أنصار تشاتشر لمصارعة العضو والاعتداء عليه، ولم يستطع العضو استفزاز المرأة الحديدية.

الخطورة في ما حدث أنه حدث بين طائفتين مؤهلتين للنزاع الثقافي والعقائدي، والخطورة تكمن أكثر في أن يتقبل المواطن شكل هذه الثقافة ويستخدمها نموذجا في الحوار. فإذا كانت تلك ردة فعل ممثلي الشعب فلنا أن نتصور فعل عامة الشعب. لم يعد طموحنا الآن أن نطالب بلغة حوار راقية وتأصيل ثقافة احتواء المشاكس والمنفلت من الأعضاء، ومنتهى الطموح أن نطالب الجميع باحترام صورة الشعب الذي يتحدثون نيابة عنه. منتهى طموحنا أن نقول لهم انتبهوا أكثر فلقد خرجت حربكم عن صيغة الكلام إلى صيغة أكثر خطورة. ونقول لكتابنا الأفاضل لكم دور كبير في ما حدث فليكن لكم دور أكبر في عدم تكراره وجميعكم يعلم كيف يكون ذلك.

back to top