لم تحظ رواية في الأدب الانكليزي بالشهرة والدراسة اللتين حظيت بهما رواية «ماري شيلي» فرانكشتاين، فهي مادة خصبة لروايات الرعب والخيال العلمي والنسوية، ولكنها مادة أكثر خصوبة للسياسة وتحديدا لأكثر المواضيع غموضا وإثارة هذه الأيام، الاثارة التى تقترب من اللغز المحير بخصوص حكاية نهاية أسامة بن لادن.

Ad

فرانكشتاين الرواية غير فرانكشتاين الفيلم، والايحاء الذي تركه الفيلم في ذهن الأغلبية أننا أمام وحش يرتكب أعمالا وحشية ضد الأبرياء وخصوصا عائلة الشخص الذي ابتكره من لاشيء، ولكن الرواية تطرح نظرة مختلفة للمخلوق الذي وجد نفسه غريبا وحيدا، فأطلقت عليه الروائية الشابة أسماء مربكة منها «الوحش» و»الشيء» « والبائس» وهو الاسم الذي كان يفضله البروفسور ارنولد بوم الذي يميل الى جانب البائس في المفاضلة بينه وبين العالم الشاب الدكتور فكتور فرانكشتاين الذي أوجده للحياة، ولم يكن مطلب المخلوق البائس صعبا فحسب ولكنه كان مستحيلا، فهو يريد أن يصنع له صانعه أنثى من جنسه يأخذها لينجب منها أطفالا من جنسه، وهو ما أرعب فكتور فرانكشتاين حينما تخيل صورة الحياة اذا تكاثر فيها آل هذا البائس.

لم يحقق البائس لصانعه سوى الشهرة التي بحث عنها ولكنه بالمقابل جلب له المأساة تلو الأخرى حين قرر أن يطادره وينتقم من جميع الذين يحبهم، لقد زرع فرانكشتاين الصانع في بائسه المصنوع كل عناصر الحياة والقوة والعنف ولكنه لم يستطع أن يزرع به الحكمة والمعرفة الانسانية اللازمة لمجابهة الحياة، وربما المقطع الأهم في الرواية هو مقتل الطفل ويليام، ففي تلك اللحظة لم يكن يعلم البائس أنه سيقتل الطفل وهو يحاول أن يمنعه من الصراخ فيطبق على أنفاسه كي لا يكتشف أحد وجوده، كان يريد اسكاته فقط، ان فقدان البائس للمعارف الانسانية هو جريرة الرجل الذي ابتكره دون أن يسلحه بغير القدرة الخارقة على الفتك وهي ذات القدرة التي حاول أن يدفع حياته ثمنا لإنهائها.

شهدت المطاردة الأخيرة بين فرانكشتاين والبائس في الثلوج ما يشبه معركة كسر العظم، وكان لا بد أن ينتصر الصانع على المصنوع حتى لا يختل التركيب المعرفي، ولا تختل الحبكة الحياتية وليس الروائية، كان لا بد أن تنتهى المغامرة التى شهدت سقوط ضحايا أبرياء بين الصناعة والهدم والتى خسر فيها فرانكشتاين كثيرا، لأن البائس ليس لديه ما يخسره.

ما أدهشني وأنا أعلم أن القارئ سيسقط أحداث الرواية الخيالية على الواقع القريب من الخيال هو النهاية المائية لأبطال الروايتين، ففي الثلوج انتهى البائس الذي حمل اسم صانعه «فرانكشتاين» وبقي الاسم المرعب في أذهان الناس يحمل اسم الصانع لا المصنوع الذي لم يمنحه في الواقع صانعه اسما محددا، وبقي يحمل صفات تتباين حسب وجهات النظر، وفي الماء انتهى بطل الرواية الأميركية الأخيرة.

هل الماء اشارة للبحث عن شخصية أخرى بمميزات أفضل؟ هل الماء هو خاتمة الأشياء وأساس التطهير عن إثم الارتكاب؟ أم أن الماء هو، كما صرح أحد معلقي الاذاعة، انعدام الأثر فلا شيء يدل على اثر الشخصية التى ختمت بنهايتها الرواية الشيقة وبقيت طروحات حل ألغازها المثيرة.