في المقال السابق طرحنا أهم نقطة نعتقد بتشكيلها للذات المثقفة والواعية، والتي تنشأ بداية من الناشئة في المراحل السنية الأولى للتكوين، وليس لها أن تكتمل بدون أن تجتمع الرغبة والعمل بحب والتعاون بين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ووزارة التربية. وتحدثنا عن امكانية عودة الأندية الصيفية سابقا تحت مسمى جديد وليكن الأندية الثقافية وضربنا مثالا واحدا بالمسرح.

Ad

يستطيع كل مراقب اليوم للحياة الاجتماعية أن يلمس الضياع الذي يعيشه الشباب ذكورا واناثا وهدر طاقاتهم في المجمعات والأسواق، ونحن نكتفي بلومهم وتقريعهم عوضا عن فتح قنوات لهذه الطاقات في شتى المجالات التي يتولى المجلس الوطني رعايتها، ابتداء من الورش الفنية المختلفة وانتهاء بجلسات الحوار الثقافي التي ستعمل على تنمية ذهنية الشباب والارتقاء بتعاملهم في ما بينهم.

نعرف جميعا أن المهندس علي اليوحة قد استلم ارثا قاسيا يحتاج الى جهد رجل جبار ليحقق طموحاته التي يريد ثمارها بعد عشرين عاما من الآن. ونعرف أيضا أن المجلس الوطني هو مجموعة من موظفي الدولة التي تعمل وفق النظام التقليدي لموظفي الدولة. وسنطرح مجموعة من النقاط نرى أن العمل على تحقيقها يعيد الأمل للحياة الثقافية والفنية والأدبية في المجتمع. ونعترف أيضا بأن المجلس لن يستطيع وحده أن يقوم بالمهمة وانما بإمكانه تنسيقها والاشراف عليها.

فنيا يستطيع المجلس أن يتعاون مع مجموعة من الأخوة الفنانين في جمعية الفنون التشكيلية والفنانين المستقلين بتنظيم دورات ومعارض للشباب والطلبة في سن مبكرة ويكفي لذلك الغرض استغلال مدرسة واحدة في كل منطقة يشرف عليها فنان وتوفير الامكانات المادية اللازمة له، وأنا على ثقة كبيرة بأن مجموعة من فنانينا على استعداد تام للقيام بتلك المهمة، مادام حقه الأدبي والمادي محفوظ. وبالإمكان خوض التجربة الأولى في مدرسة واحدة ثم تنتقل التجربة الى أخرى وهكذا.

مسرحيا بإمكان المجلس أن يتعامل مع المسارح الأهلية واستخدام مسرح ذات المدرسة على أن يقوم أحد خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية برعاية العمل والاهتمام بالجيل الناشئ لإعادة الجمهور إلى المسرح الجاد واعادة المسرح الجاد في ذات الوقت. فهذا العمل الميداني لخريجي المعهد العالي أفضل بكثير من العمل في الوظيفة التقليدية البليدة.

ثقافيا بإمكان المجلس أن يوظف طاقة أحد الأساتذة في الاشراف على منتدى فكري مصغر مختلط يستطيع من خلاله الطلبة أن يتحدثوا عن مضامين مختلفة تهتم بمشاكل الشباب الاجتماعية والسياسية والثقافية العامة ويتعلمون من خلالها كيفية الحوار ومواجهة الآخر. ان الاشكال الأكبر الذي نعيشه هو نظرة الخوف والريبة بين الجنسين وبين المختلفين فكريا وعقائديا وانعدام لغة الحوار الديمقراطي في مجتمع ديمقراطي.

ما ينطبق على الحالات السابقة ينطبق على التنشئة الأدبية وتطوير مهارات القراءة والانفتاح على الفنون الأدبية وهو ما يمكن أن يتولاه أحد الأدباء.

تجربة هذه المدرسة المسائية وما تحتويه من فعاليات مختلفة هي اللبنة الأولى للعمل الثقافي الحقيقي، فجميع تجاربنا التي تبدأ من الأعلى الى الأسفل فشلت وستفشل لأننا نريد حصادا سريعا وتضخيم ذوات البعض لبعض الوقت وعلينا أن نفكر جديا بالعمل من الأسفل الى الأعلى.

اذا كان السيد الأمين العام يريد فعلا أن يعمل من أجل مجتمع يمتلك الديمقراطية ولا يمتلك شبابها الديمقراطي، مجتمع يمتلك الطاقات ويتميز بإهدارها، مجتمع يفقد تاريخه وارثه في الانفتاح على الآخر وتقبل اختلافه فعليه أن يخلق هذا المجتمع الصغير في مدرسة صغيرة تمتد الى مدارس أخرى دون أن يؤثر ذلك على عمل المجلس التقليدي لمن يعشق التقليد.