في عام 1976، إذا أسعفتني الذاكرة، كنت عضواً في نادي الجهراء الصيفي وفي قسم المسرح تحديداً. كانت الأندية الصيفية هي المتعة الوحيدة المتوافرة أمام جيلنا في ذلك الوقت، وكانت الأنشطة التي ترعاها الأندية تتمايز ابتداء من مسابقات «الدامة»، مروراً بالألعاب الرياضية وانتهاء بالمسرح. يقوم على إدارة الأنشطة مدرسون يتم الاستعانة بهم للإشراف على الفعاليات الثقافية والترفيهية. والمدرس الذي يشرف على نشاطنا المسرحي في ذلك الوقت رجل مبدع في التمثيل يقود فريقاً متطوعاً أتذكر منهم خالد النصرالله وعلي حسين والأخير فنان موهوب لا يجيد القراءة والكتابة. كانت الأندية الصيفية موزعة مناطقياً، بحيث تخصص مدرسة لكل منطقة تضم أعضاء الأندية من تلك المنطقة. وتتنافس هذه الأندية في ما بينها في مختلف الأنشطة. تفرض إدارة النشاط المدرسي مسرحية باللغة العربية الفصحى على جميع الفرق المسرحية في الأندية، ويترك خيار المسرحية الأخرى لأعضاء النادي ومشرفه. عملت والمشرف على كتابة المسرحية الاختيارية باللغة العربية الفصحى، وكان اسمها بلال بن رباح. ولكن المشكلة التي واجهتنا هي أن علي حسين فناننا الموهوب لا يجيد القراءة ولا يتقن اللغة العربية، وذلك يعني أنه لن يمثل المسرحية الإجبارية ولا الاختيارية. فتنازلنا عن الأخيرة ليقوم علي حسين بتأليف مسرحية باللهجة الدارجة، وكان يملي أدوارنا شفاهة ونكتبها على لسانه لنخرج بمسرحية من فصل واحد لا قيمة لها سوى أداء علي حسين نفسه.

Ad

انتقلنا إلى الأدوار النهائية التي تقام على مسرح مدرسة عبدالله بن خلف، وكان المنافس فريقاً شرساً يضم فناناً كبيراً هو الفنان عبدالرحمن العقل الذي قدم وفريقه مسرحية أتذكر اسمها جيداً «شمس الأصيل»، ومجرد متابعة أداء عبدالرحمن العقل الشاب الذي يكبرنا بعدة سنين متعة لا توصف. فزنا بالمسرحية الإجبارية ولكننا فشلنا بنص علي حسين الذي فاز بجائزة خاصة من السيد أحمد الودعاني إذا ما زلتم تذكرون اسم الرجل. كان يشرف على التحكيم النهائي عابدين بسيسو ومنح العقل الجائزة الأولى باقتدار.

السيد علي اليوحة، وهو زميل مهنة ومهندس، وأنا أثق برجال الهندسة إذا أخلصوا للثقافة، يحمل طموحاً لإعادة المثلث الصعب الذي يشرف والذي يحتاج إلى جهد جبار لمعادلة أضلاعه. فالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب يولي الحكومة مهمة الإشراف على هذا المثلث الإبداعي وهي الوحيدة القادرة بإمكاناتها المادية وطاقاتها البشرية على القيام بهذا الدور شئنا أم أبينا. فجمعيات النفع تعاني ضعف ميزانيتها ومجافاة القطاع التجاري ومراكز المال لدعم الأنشطة التطوعية المشابهة. والأمين العام يتحدث عن خطة للنهوض بالعمل الثقافي والفني والأدبي لعشرين سنة مقبلة، وهو طموح جميل لسبب بسيط أن الرجل يريد أن يبني للمستقبل رغم علمه المسبق بأنه لن يبقى أميناً عاماً لهذه المدة الطويلة.

وحكايتنا التي صدرنا بها المقالة هي الطريق الأول الذي علينا أن نسلكه إذا أردنا خلق جيل عاشق للفن المسرحي يعمل بذات الإخلاص الذي عمل به الجيل السابق. على السيد اليوحة أن يجد قنوات الاتصال المناسبة مع وزارة التربية إذا كان يريد عملاً مستقبلياً كما يرغب. فالجيل الذي يتم بناؤه اليوم هو الذي نطمح إلى رؤيته مثقفاً ومهتماً بالثقافة والفن والآداب. هو الجيل الذي بإمكانه تصدير الكوادر المؤسسة تأسيساً علمياً وتربوياً لدعم القطاع المسرحي الذي أنهكته المتاجرة بالذوق العام وبالطفل، ويعاني الفجوة الواسعة بين الجيل المسرحي الكبير الذي رحل والجيل الحالي الذي أضاع البوصلة. مسرح المدرسة أهم الأنشطة التي على السيد المهندس اليوحة أن يلتفت إليها ويعمل جاهداً بالتعاون مع «التربية» لإعادته إلى ما كان عليه. وهو أول اهتمامنا وسيليه تطلعات المثقف في مقالة لاحقة.