رجل مختلف
يزور جامعة كارلتون في العاصمة الكندية أوتاوا رجل في عدة رجال، ومحاضر تنوع اهتمامه بين علم اللغة والسياسية، كأبرز حقلين يهتم بهما أفرام نعوم تشومسكي الشخصية الأميركية الأكثر اثارة للجدل في السياسة على وجه الخصوص. وحضور محاضرتين لرجل واحد في مجالين مختلفين وفي يوم واحد لجمهورين مختلفين سيكون احتفالا خاصا بلا شك بالرجل الذي بلغ الثانية والثمانين دون أن يلين له جانب وهو يتنقل منظرا لغويا ومفكرا سياسيا وباحثا في علم النفس والفلسفة ومجيدا بها اجادة قل أن تجتمع في رجل واحد.في المحاضرة الأولى سيتحدث تشومسكي عن فلسفة اللغة وهي محاضرة ربما تهمنا نحن في قسم اللغويات، وحضورها سيكون من أساتذة وطلبة وخريجي القسم وبعض المهتمين، أما المحاضرة الثانية فهي احتدام بين فريقين أساسيين يقود أحدهما المؤيدون للحق الفلسطيني ويقود الآخر المدافعون عن إسرائيل.
وقف أستاذ اللغويات الدائم في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا موقفا داعما للسلام ولإنهاء عصر الحكومات منتقدا حكومة بلاده الداعم أبدا لمواقف إسرائيل والتي يتكرر التصريح بدعمها في كل حقبة رئاسية آخرها التصريح الأخير للحكومة الأميركية: «كل شيء قابل للتغيير عدا علاقتنا مع اسرائيل». وموقف أميركا الداعم للديمقراطية في اسرائيل لا يقابله ذات الموقف من الحركات التحررية في العالم العربي. وكان شبح الخوف من الأصولية الاسلامية هو الكابوس الذي ترهب به الحكومة الأميركية شعبها والشعوب العربية من خطوها نحن الديمقراطية. وكأن المثال الأفعاني هو المثال الإسلامي الوحيد وليس المثال التركي مثلا.ولهذا كان تشومسكي دقيقا وهو يصرح تصريحا يكاد يعتبر شعارا: ان ما يقلق أميركا ليس الإسلام ولكن نزوع دوله نحو الاستقلال! والاستقلال هنا لا ينفصل عن الديمقراطية التي تناضل الشعوب العربية من أجلها وتفتح قمصانها لرصاص أعداء الديمقراطية. ان قبول أميركا بالديمقراطية التي تحققها ثورات الشعوب مقبولة فقط حين تلتقي مع المصالح الأميركية. فلم تتخل أميركا عن ديكتاتور روماني بسهولة الا بعد أن رأت أن الوقوف معه أكثر سيكلفها الكثير ورحبت بإسقاطه طاوية صفحة دعمها له وكأنها لم تكن.وحدث ذلك مع ماركوس الفلبين وشاه ايران وحدث مع رئيس مصر حسني مبارك. ما تفكر به أميركا –حسب تشومسكي- هو تحويل الأمور المترتبة عن الديمقراطية الجديدة لمصالحها بشكل أو بآخر.تشومسكي والسبب في اختياره لمقال اليوم ليست مواقفه من القضية العربية والشعوب العربية وحرياتها المستلبة من حكامها العسكر منذ أكثر من أربعين عاما قذافيا وثلاثين عاما حسنيا وأكثر من ثلاثين عاما صالحيا وهكذا وانما اختياره لأنه المثقف المتخصص في فروع علمية بحتة لا يجد أغلب المختصين الوقت للاهتمام بتطوراتها ويجد الوقت الكافي للاهتمام بالعالم الخارجي ومشاكله السياسية. يرى تشومسكي أن المثقف يجب ألا يعيش بين جدران غرفة السيمنار لا يتركها الا لزيارة أصدقاء المهنة ذاتها في المقهى القريب ولكن المثقف هو من يبحث في أمور البشرية من حوله، هو من يبحث في الدفاع عن صحتهم وتعليمهم وحرياتهم. المثقف هو من ينظر للانسان كإنسان بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه والاهتمام بمعاركه من أجل وجوده.