مثقف السيد الرئيس
تسقط أنظمة ما سمي زورا وتزويرا بالجمهوريات العربية وتتساقط على الطريق جماهيريات لا علاقة لها بالجماهير والشرخ بينهما يصعب رتقه. رؤساء ومتنفذون يملكون أكثر من الكثير ولا تعرف عن أرصدتهم الجبارة هذه الجماهير التي لا تملك سوى حناجرها هاتفة في الميادين «الشعب يريد اسقاط ....» شيئا الا حين تسخدم هذه الأموال لجلب المرتزقة ودعم الموالين لقتال دعاة الحرية والبحث عن جمهوريات حقيقية. واكتشفنا هكذا فجأة بأن بقاء الرؤساء الذين يقاتلون اليوم من أجل البقاء مرهون بحجم هذه الأموال وهو اكتشاف يدل على أن أموال رؤساء الجمهوريات كانت مدخرات لإدارة هكذا أزمات. حين سألت المذيعة الدكتور هيغ، وهو مختص بشؤون اليمن: «كم من الوقت يلزم لإسقاط الرئيس اليمني؟» قال جملة واحدة: الأمر مرهون بكم يملك من مال».هذا المال هو الذي يجعل مجاميع من المثقفين يقفون وراء الرئيس الذي يدفع بسخاء لجنوده المقاتلين دونه ولحناجر الأصوات التي تدافع عنه. في تاريخنا القريب جدا كان فنانو الشعب الذين يمتلكون زمام التأثير على العامة يظهرون لنا بصور المناضلين عن حقوق الطبقات المسحوقة. وترأس عرش المسرح العربي فنانون كبار أمثال عادل امام الذي لقب بالزعيم ودريد لحام الذي عرف بمسرحياته الساخطة على الأنظمة العربية التي قادتنا من هزيمة الى نكسة ومن نكبة الى أخرى. وفي الوقت الذي يخرج فيه المواطن البسيط من أبواب المسرح وقد أفرغ شحنة غضبه في الغرفة المظلمة لينام مرتاحا قليلا لأن أحدهم قال عنه ما أراد قوله، يخرج الفنان من الباب الخلفي للمسرح ليتلقى التحية من صديقه رئيس الجمهورية فيثني عليه وعلى عمله.
في لقاء مع دريد لحام على القناة السورية وفي ظل ما يسمى اليوم بربيع الثورات العربية يظهر لنا وجه آخر، وجه مغاير لفنان الشعب، يقول نقيض ما سمعناه ونحن نصفق بغباء لفنان ضيعة تشريننا وغربتنا وكأس أوطاننا وشقائق نعماننا. يختفي وجه الإنسان البسيط المعفر بالتراب والقلق وبضياع الحلم في جمهورية حقيقية يقودها الجماهير ولا تقودهم الى الهاوية والفقر والعوز والذل ليظهر لنا وجه الرجل الأنيق بربطة عنق وبشرة نضرة ليقول لنا ليس لديكم أفضل مما تمتلكون ويذكرنا بأن الذين تقمص أدوارهم في البحث عن لقمة شريفة ونظيفة ودواء غير مغشوش وخبز بلا مسامير ونشارة خشب هم مجموعة من المجرمين والقتلة والمأجورين الذين ينفذون أجندات خارجية وهي أجندات تختلف من ثورة الى أخرى حسب الوضع السياسي للسيد الرئيس.يتنازل دريد لحام عن تاريخه ويمد لنا لسانه فهو صديق خاص للقذافي كما هو صديق مخلص لسيده وكما هو عادل امام صديق مبارك الذي ربما كان يقصد بالزعيم/ المسرحية الرئيس القذافي وليس السيد حسني مبارك. ويقول لنا السيد دريد لحام نعم كنت أضحك عليكم وضحكت على روح شاعركم وكاتبكم الكبير محمد الماغوط فأجدت استخدامه لأخلق من نكساتكم ونكباتكم ما يضحككم، كان ذلك هو دوري في مسرحية أكبر مني ومنكم.دريد لحام وعادل امام ليسا وحدهما من ضحك علينا واستغل طيبتنا وبراءتنا وركب سذاجتنا ونحن لسنا أكثر ذكاء من الماغوط لكن مصيبتنا الحقيقية أننا ساهمنا معهما في استغلالنا فقائمة المثقفين والفنانين طويلة طويلة بعدد أيام حكم الرؤساء الذين يسألوننا بعد أربعين سنة من حكمنا: «من أنتم؟». فهل نحن حقا أبرياء اذا قلنا أننا أبرياء منكم ومن تاريخكم الفني الذي ساهم في جوعنا وفقرنا وغربتنا ولم ينجح الا في ذرف دموعنا ونحن نلعق جراحنا.