تقول الحكاية البدوية إن رجلاً في منتصف العمر قتل صاحبه دون أن يعرف أحد سبب جريمته. قدمت قبيلة القاتل الرجل للنزول تحت حكم أهل القتيل. فإما أن يقبلوا دية ابنهم المغدور أو يقام الحد على الرجل. ورغم أن الجميع توقعوا أن الدية لن تكون حلاً مرضياً ولن يقبل أهل القتيل أقل من القصاص فإن ولي أمر القتيل فاجأهم برفض الدية وتعليق القصاص إذا استجاب القاتل لطلبه. تنفس الجميع الصعداء وردد أهل القاتل كلمات لا تنقطع من الثناء والتبجيل لشهامة الرجل ونبله وعفوه عند المقدرة، ولكن الذي كان في نفس البدوي قضية أخرى. القاتل كان مستعداً لتنفيذ أي طلب يطلبه منه ولي الأمر ويبقي على الهواء يمر في قصبته. أما الذي لم يتوقعه أن يكون الطلب سخيفاً وساذجاً.

Ad

«لا تنم في منزل واحد ليلتين متعاقبتين لعشر سنوات متتالية»... كان ذلك هو الشرط والإخلال به يبقي القصاص والقصاص فقط قائماً. نفذ الرجل عقوبته كما فرضها عليه ولي الأمر. لم ينم في بيت واحد واستمر متنقلاً من منزل إلى آخر ومن ديار الى أخرى حتى انتهت فترة عقوبته وعاد الى بيته وزوجته.

نام تلك الليلة في بيته، وفي الصباح حمل متاعه ورحل لينام في بيت آخر وبيت آخر واستمر معاقبا طوال حياته.
تذكرت قصة هذا البدوي الذي رفض القصاص، وأنا أفكر في المكان الذي يسكنني.

منذ أن تزوجت وأنا أتنقل من بيت إلى آخر، وأرحل من دار الى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى لأسباب تافهة، وخلال السنوات السبع الأولى لم نتآلف أنا وجدار أبداً. سكنت أكثر من سبعة أمكنة حتى فقدت إحساسي تماما بالمكان. لم أترك لي أثراً على مكان يذكرني، ولم أمنح نفسي فرصة الحنين الى مكان. وبقي هاجس المكان الأول في الجهراء هو كل عالمي وذكرياتي ومزار حنيني الأبدي.
انتقلت الى بلد آخر، واخترت أن أستقر وأهدأ وأبدأ مرة أخرى علاقة طيبة وجديدة بالمكان. ولكنني كصاحبي البدوي رأيتني أنتقل من مكان الى آخر لسبب تافه، وأحيانا دون سبب تافه. عرفت أنني فقدت معنى أن يكون المكان جزءا من شخصيتي، وعرفت أنه سقط مني كما يسقط زمن من حياة سجين.

في الانتقال الأخير قبل ليلتين من سكن الى آخر قال لي ابني: «لماذا تفعل بنا ذلك، كلما تعرفنا الى أصدقاء ومدرسين تركناهم الى علاقات جديدة».

أحسست أنه على حق. ولكنني أنا أيضا على حق. ماذا سيترك المكان في روحه سوى الجروح التي لا يراها في روح أبيه؟ ماذا ينفعه البشر والأصدقاء إذا خانه المكان؟ المكان عشق ينمو كشجرة في الروح، ومتى اضطررت إلى اقتلاعها لسبب تافه «ربما» فأنت تكتب نهايتك.

رسالة إلى «الرابطة»

يبدو أن اسم رابطة الأدباء الكويتيين، كما هو الواقع، أثار حفيظة من ربط ذلك بالانسلاخ عن عروبة الرابطة، وهو بالتأكيد ليس هدف الإخوة القائمين على الرابطة، ولكن الواقع هو أن الرابطة للكويتيين فقط. فهي لا تعرض ولا تبيع سوى كتبهم ولا ينضم إلى عضويتها سواهم، ولا ينتخب ولا يرشح لإدارتها سواهم. فإذا كانت تمشي كالبطة ولها صوت كصوت البطة فهي حتماً بطة!!!!!!