أدب أطفالنا وأطفالهم

نشر في 12-04-2009
آخر تحديث 12-04-2009 | 00:00
 ناصر الظفيري في عام 2002 قررت طلاق الهندسة المدنية طلاقا بائنا والاستمرار في تطوير محاولاتي النقدية والأدبية، والتحقت مرة أخرى بالجامعة لدراسة الأدب الانكليزي والاقتراب من المدارس النقدية الجديدة، وهو أيضا ما يمكنني من إجادة لغة ثانية، فقرأت المقررات التي يجب دراستها ولفت انتباهي مقرر اسمه أدب الأطفال يستمر سنة كاملة من الخريف حتى الربيع، وتوقعت أن المقرر لن يتجاوز قراءة مجموعة من كتب الأطفال البسيطة بلغتها وطرحها، وفي ذهني الصورة النمطية لكتاب الطفل العربي.

المفاجآت أخذت تتوالى ونحن ننتقل من كتاب الى آخر، وبدأت الروايات تتطلب جهدا ووقتا أكثر مما ظننت، أقل الكتب حجما كان يتجاوز الخمسين صفحة، وأكثرها يتجاوز الأربعمئة صفحة بكثير، كرواية ريتشارد آدمز «Watership Down».

والسؤال الذي حيّرني في البداية هو: هل يقرأ الطفل الغربي روايات بهذا الحجم؟ في بداية كل محاضرة كان المحاضر يسأل عمن قرأ الكتاب في مراحل سابقة. والاجابات تتوالى من أطراف القاعة تؤكد ان الجميع قرأوا هذه الكتب في المراحل الابتدائية والمتوسطة سوى طالب واحد لم يرفع يده سنة كاملة هو أنا. والطريف أن احدى الطالبات قالت ونحن نناقش الرواية الكندية «Ann of the Green Gables» أنها قرأت الرواية وهي في سن السادسة، وحين أطرق الدكتور وانتبه الطلبة أكملت «ان السيدة مونتغمري مؤلفة الرواية هي جدتي»! انتهى المقرر وقد قرأنا عشرين كتابا بآلاف الصفحات وأنا بالكاد ألتقط أنفاسي لأخرج من حقل الألغام الذي دخلته وفي ذهني سؤال وحيد: اذا كان هذا هو أدب الطفل، فما الذي ينتظرني لأحصل على اجازتي الجامعية؟

رغم كل ذلك بقي الشك يراودني بأن الأطفال بامكانهم قراءة هذه الكتب الضخمة والصعبة، وما بدد هذا الشك هو متابعتي تدريس أطفالي، في السنة الأولى الابتدائية كان على طفلتي أن تقرأ كل يوم قصة من ثلاث الى أربع صفحات مطبوعة على ورق «A4»، في كل صفحة ثلاثة أو أربعة أسطر، وتزداد الصفحات والأسطر كل سنة حتى جاءتني في السنة الخامسة، وهي تقرأ لي كتاب «The Giver» للويز لوري أحد كتب والدها في مقرر أدب الأطفال، وحين ناقشت الكتاب معها سألتني ببراءة: هل قرأت الكتاب حين كنت صغيرا في الكويت؟

آه!!!!!! حين كنت صغيرا، لا أتذكر أن أدب الطفل كان مقررا علي وأنا طفل، لم نكُن بحاجة اليه، كانت عقولنا تعيش، ومازالت تعيش، في خيال أقرب الى الوهم فما حاجتنا الى الخيال، عندما كنت صغيرا في الكويت كنا نعود الى الوراء «عندما جاء الربيع وأقمنا في خيام في الفضاء»، ما حاجتنا الى اليوتوبيا والتفكير في غبار النجوم والقرائن، ما حاجتنا إلى خيالات شارلوت أنثى العنكبوت الخارقة وقدرة العاجز على صنع المستحيل.

بالمناسبة كتاب لويز لوري أكثر من مئتي صفحة.

ونحن نحتفل في أبريل بأدب الطفل أقول: لو حرصنا على أن نقدم أدبا حقيقيا لأطفالنا لما كانت مخرجاتنا الثقافية بهذا المستوى المتردي من النقاش، ولما عشنا ثقافة الصراخ والتجريح والانقلات العقلي والأخلاقي، لو قدمنا لأطفالنا مناهج تطور عقولهم وتخلق وعيهم لحصدنا في كبرهم المنطق في الاقناع والقدرة على البناء، ثقافة الكبار اليوم هي حصادنا لما بذرنا فيهم أطفالا وهو حصاد غاب عنه العقل واختفى منه الخيال.

هل ضاعت الفرصة؟ هل فقدنا الأمل؟ لا، لا يمكن أن نفقد الأمل، سنظل نطالب بخلق جيل قادر على الابتكار، وكل ما نحتاج إليه الآن هو القليل من الهدوء حتى تمر الزوبعة.

back to top