ثورة «البيونك»

نشر في 14-06-2009
آخر تحديث 14-06-2009 | 00:00
 ناصر الظفيري تستطيع الرواية والفيلم المُقتبس عنها تحقيق رغبة المؤلف والقارئ في اشباع الخيال والخروج من دائرة الممكن الى بهجة المستحيل، فالذي يقرأ رواية هـ. ج. ويلز «آلة الزمن» 1895، التي عمّدت مفهوم الزمن كبعد رابع للفضاء ومشاهدة مجموعة الأفلام التي استوحاها المخرجون وآخرهم حفيد الروائي سيمون ويلز من الرواية، يمتلكه شعور باستخدام تلك الآلة لاختيار الحقبة الزمنية التي يريد الذهاب للعيش فيها، مع امكان العودة متى شاء، ويمكن معالجة الفكرة بقليل من السخرية كما فعل بطل حلقات المسلسل الكرتوني «سيمبسون».

فكرة الآلة ودورها في السينما يحتاجان الى بحث طويل، أما الأكثر غرابة فهو تحقق الأفكار المستحيلة التي تناقشها الرواية والأفلام السينمائية، والتي كانت تُنعت لفترات طويلة بأنها مجرد خيالات بعيدة عن أرض الواقع، ورحلة جول فيرن في روايته «ثمانون يوما حول العالم» التي استغرقت تسعة أيام في عام 1873 من نيويورك الى لندن، لا تحتاج اليوم الا الى ساعات قليلة.

احدى تلك الأفكار التى روجتها السينما على وجه الخصوص، فكرة البيونك، وهي اختصار لكلمتي بيولوجي والكترونيك، تعتمد فكرة البيونك على اندماج الأنسجة البشرية الحية بالآلة المصنعة، بحيث تستقبل هذه الآلة الاشارات التي يرسلها العقل وتؤدي مهامها بنفس الدقة التي تقوم بها الأعضاء البشرية.

لم يكن ذلك ممكنا على أرض الواقع، فالمعروف أن الأطراف الصناعية التي يتم تركيبها للأشخاص الذين فقدوا أطرافهم الطبيعية تعجز عن استقبال اشارات العقل والأعصاب وتنفيذ أوامر تلك الاشارات، ورغم محاولات السينما بتقديم اندماج محتمل بين البشري والآلي في جسم الانسان، فإن ذلك بقي رهن الخيال السينمائي كسلسلة أفلام «المدمر» والمسلسل التلفزيوني «المرأة البيونك».

أما الثورة الصناعية الجديدة للبيونك، فقد استطاعت أن تحيل خيالات الرواية والسينما الى واقع، إذ أصبح بامكان المرء الذي يزرع أطرافا صناعية أن يستعمل هذه الأطراف كما لو كانت أعضاء بشرية حقيقية، فهذه الأطراف المزروعة بامكانها أن تتصل بالعصب المتبقي من الجسد المبتور وتستقبل اشارات العقل وتنفذ أوامره.

أولى متابعاتي للفكرة بدأت حين كنت مدرسا متدربا في كلية ألجونكون ورافقت طلبة القسم في زيارة إلى أحد متاحف أوتاوا العلمية، وقفت أمام ذراع آلية لطفلة صغيرة، وشرح لنا الباحث عن توصل العلماء الى ذراع آلية تستطيع أن ترتبط بالأعصاب، تتم زراعتها مكان الذراع المبتورة للطفلة. تستطيع الطفلة من خلالها الرسم والكتابة وتناول الأشياء والقيام بكل الأوامر التي يصدرها العقل، المشكلة الوحيدة كانت أن الطفلة بحاجة الى أكثر من ذراع، لأن جسدها ينمو كلما تقدم بها العمر وذلك سيكلف مبالغ طائلة ربما لا تستطيع تحمّلها.

مرت سنوات على هذه الحادثة حتى نشرت جريدة «جلوب آند ميل» قبل فترة موضوعا عن رجل يُدعى روب اندرسون تمت زراعة يد صناعية له، بعد أن فقد الأصلية بحادثة تحطم طائرة عمودية قبل عامين من الآن، في اليوم التالي للعملية قال الرجل «أستطيع الآن أن أحس برسغي ويدي، ويمكنني أن أضم أصابعي بمجرد التفكير بذلك».

ان العقل يرسل اشاراته الى اليد من دون أن يدري أنها ليست هناك، وتستقبل الأعصاب الاشارات لترسلها الى الآلة على أنها يد طبيعية، فتستقبل اليد الصناعية الأمر وتقوم بالحركة التي فكر بها صاحبها.

هذه الثورة العلمية تجعل بامكاننا الحديث عن خيالات مستقبلية من دون أن نقلل من امكان تحقيقها، فما تقدمه الرواية والسينما لم يعد خيالا محضا بل هو الخيال القابل للتحقق.

ما أفكر فيه هو ما بدأت به هذه المقالة: «آلة الزمن»، كم واحدا منّا بحاجة اليها ولكل منّا أسبابه.

back to top