رسالة إلى فهد راشد المطيري

نشر في 07-06-2009
آخر تحديث 07-06-2009 | 00:00
 ناصر الظفيري حول مقالة الأسبوع الماضي عن كتابة الرواية وقراءتها علق الزميل العزيز فهد راشد المطيري تعليقا جميلا رأيت أن أخصص له مقالة هذا الأسبوع، لا أن أرد عليه بسطرين أو ثلاثة للأسباب التالية: أولا الزميل المطيري ليس غريبا عن الساحة النقدية والأدبية فهو دارس للأدب الإسباني وأحد الأقلام الجميلة التي نعول عليها كثيرا في المستقبل حين يستقر من غربته، ثانيا أحالني الزميل العزيز الى نوستالجيا ليست بعيدة حين كنا نتناقش في مكتب أستاذنا اسماعيل فهد اسماعيل بشأن دور الأدب وأهميته، ولا أعرف إن كنت أتفق معه أن الغربة كان لها الأثر الأكبر في تغيير بعض القناعات أو نسفها جميعا، وأخيرا الأسطر القليلة التي علق بها الزميل على المقالة تستحق أن نعيد تناولها مرة اخرى. ما طرحه الزميل فهد المطيري انني غيرت قناعاتي في المقالة المذكورة من فكرة أن الأدب نخبوي. وأن ذلك التغيير كان بسبب أثر الغربة يحتاج الى بعض الايضاح.

يقول علماء النفس: من كانت أداته الوحيدة هي المطرقة فكل المشاكل بالنسبة اليه مسامير. وإصراري على رأي سابق لا يعني أنني ما زلت أحمل ذات المطرقة، ولكنها قناعة سأناقشها بالتفصيل وكأننا ما زلنا نقف أمام مكتب اسماعيل فهد اسماعيل. أقول مرة أخرى نعم الكتابة الأدبية وبالذات الابداعية هي نخبوية يختص بها النخبة دون سواهم لسبب بسيط هو اعتمادها على ركيزتها الأساسية، وهي موهبة التخيل وليس موهبة الكتابة كفعل مجرد. فكتابة تقرير طبي أو بحث علمي أو مقالة سياسية أو رسالة لصديق ومثل ذلك الكثير تحتاج الى موهبة الكتابة ولا تحتاج بالضرورة الى موهبة التخيل. هذه الأشكال الكتابية المتنوعة أو ما يسمى بـ»الجانرا» ليست نخبوية بالتأكيد، أما حين يتعلق الأمر بكتابة قصيدة أو قصة قصيرة أو رواية فلن تستطيع موهبة الكتابة وحدها أن تنجز هذا الشكل الأدبي اذا افتقدت موهبة التخيل. ولذلك سلم ماركيز سيرة حياته لكاتب بريطاني يدعى جيرالد مارتن يمتلك موهبة الكتابة ولا يمتلك موهبة الخيال. واخترت هذا المثل لأنك تعرف جيرالد مارتن الدارس للأديبين استورياس وماركيز. فماركيز يعلم أن كتابة سيرته الذاتية لا تحتاج الى موهبة الخيال، وبالتأكيد ما كان سيسمح لمارتن بكتابة رواية من رواياته، وما كان هو بالعاجز عن كتابة سيرته الذاتية. باختصار ترك السيرة لموهوب الكتابة ورواياته لموهوب الخيال. ماركيز هنا نخبوي.

أعود الآن الى القارئ باعتبار القراءة هي شهادة الميلاد الوحيدة للنص. فكل النصوص ميتة فوق الأرفف ما لم يستطع قارئ ما أن يمنحها شهادة الحياة. والقراءة هنا أيضا نخبوية. لأن القارئ الذي يستطيع أن يضيء النص ويعرف متاهاته هو ليس القارئ الذي يقتل وقت الفراغ أو يتسلى في القراءة، مع أنني أعلم أن أغلب القراء هم هكذا، ولا ضير في ذلك بل أكثر من ذلك أتمنى أن نعتاد القراءة لأي سبب كان، أما القارئ النخبوي فهو الناقد الذي يجد في النص مستوى أعلى من مستوى القراءة الأول. سأضرب لك مثلا: صدرت رواية جين أوستن «مانسفيلد بارك» عام 1814 ومر قرنان من الزمان تقريبا ليكتب ادوارد سعيد كتابه «الثقافة والامبريالية» عام 1993، ويستخدم الرواية بطريقة غابت عن ذهن القارئ والناقد الأوروبي رغم الكم الهائل من الدراسات النقدية والمدرسية حول ذات الرواية ابتداء من ماثيو اورنالد وانتهاء بريموند وليمز. ادوارد سعيد هنا قارئ نخبوي.

في الختام عزيزي فهد أؤكد لك أن كثيرا من قناعاتي قد تغيرت في الغربة، ولكن النخبوية في الأدب كتابة وقراءة، والتي ناقشناها أمام مكتب اسماعيل، لا علاقة لها بوظيفة الأدب. نحن أمام موضوعين منفصلين كليا.

back to top