يميز باحث الاجتماع بين الجنس البيولوجي والجنس الاجتماعي أو ما يطلق عليه sex للدلالة على الأول وgender للثاني. كلمة جندر الأخيرة، والتي يترجمها البعض «جنوسة» وهي ترجمة تغيظني ولا أجد بديلا عنها، تعني الالتفات الى قدرة الفرد في العمل السياسي والاجتماعي دون النظر الى اختلافه البيولوجي، انها كلمة ترتبط بقدرة العقل البشري الذي هو كائن لا جنس له أو genderless، العقل الذي بإمكانه أن يكون خلاقا حين نجرده من جنس صاحبه. العمل الثقافي والسياسي والمهني والرياضي ليس عملا ذكوريا خالصا بل هو نتاج عقلي وبدني، وقد يكون بدنا عاجزا كليا يرتبط به عقل جبار والبروفيسور ستيفن هوكينج الذي احتل كرسي اسحاق نيوتن كان مصابا بعجز شبه كلي، وحين أرادت زوجته أن تنقله من كرسيه الى فراشه طلب أن تعيده ثانية ليقول لها الآن عرفت سر الثقب الأسود. كتب في أواخر الثمانينيات كتابه الشهير «اختصار موجز للزمن» وبقي الكتاب متصدرا لائحة أكثر الكتب مبيعا لمدة لم ينافسه عليها كتاب آخر.

Ad

وكان الفيلسوف سورين كيركجارد يعاني عجزا بدنيا جعله يشّبه جسده بالقارب الصغير الذي يمتلك محركا ـ أي عقلاـ يصلح للبواخر.

ان التقليل من دور العقل الذي تحمله امرأة خرافة عربية ابتدعناها ومازلنا نصدقها حتى انقشعت أخيرا غيوم الخرافة عن الشعب الكويتي ليضرب مثلا جعلني أحس بالسعادة وأنا أرى وسائل الاعلام الغربية تناقشه.

تناقش هذه الوسائل السرعة الغريبة لتطور الوعي فبين منح المرأة حقها في الترشيح والانتخاب وفوزها بأربعة مقاعد من خمسين مقعدا مدة لا تتجاوز السنوات الخمس، وهو عمر قصير في عمر التجارب السياسية للدول الكبرى وليس عمر التجربة الكويتية فقط. ولكن الملاحظة الرئيسة لهذه الوسائل الاعلامية ان الفائزات بالمقاعد الأربعة هن أكاديميات حصلن على درجة الدكتوراه في تخصصاتهن، بمعنى أننا أمام أربعة عقول صوّت لهن الشعب دون النظر الى جنس المرشحة أو المرشح وانما الى القدرة على العطاء وهي قدرة لا تعتمد على الجنس البيولوجي وانما على الجندر الاجتماعي.

في القرن التاسع عشر طرح كولريدج نظرية أحادية العقل التي تبنتها فرجينيا وولف لتؤكد من خلالها أن العقل لا جنس له ولو حصلت المرأة على ذات الظروف التعليمية والتربوية التي يحصل عليها الرجل لتفوقت عليه في الابداع.

كان ذلك بحاجة الى اثبات وحين سنحت الفرص المشابهة

ـ نوعا ما ـ لفرص الرجل برزت المرأة بكفاءة مشابهة للرجل في صعد يعرفها الجميع ولا أرى حاجة الى تكرارها.

ولأنني لا أعرف الفائزات الثلاث، فأكتفي بالمباركة لهن وأشكرهن وأشكر من صوّت لهن على الفرح الذي عشته في الأيام الماضية. أما أسيل العوضي فهي زميلة من جيلنا الجميل في الثمانينيات أيام الدراسة الجامعية وفرحتي بفوزها كانت أكبر. أسيل العوضي مثال جميل للمرأة الأكاديمية المثقفة عرفناها عن قرب خلوقة هادئة دون ضعف، واثقة دون تكبر، تعرف جيدا متى تتحدث ومتى تستمع. بدأت السلم من أوله محملة بتربية فاضلة وأخلاق نبيلة، متفوقة تمزج بين عملها الطلابي وتفوقها العلمي. تميزت أسيل بقدرتها على اثبات أحادية العقل وهي قدرة تشترك بها مع زميلاتها الثلاث ورسمت للطموح اطارا لا حدود له. لم يثنها الفشل من أن تثبت أنها تحمل اصرارا غير مسبوق للنجاح الذي صاحب حياتها وكان صعبا أن تتخلى عنه.

على أسيل وزميلاتها تقع مسؤولية، سأظل أطالب بها وهي النشء. تلك هي الفرصة النادرة التي يمتلكها المجتمع الذي صوّت لكن، فرصة أن يرى أطفاله مبدعين لا أوعية للمعلومة يتركونها حين يغادرون أبواب مدارسهم. فرصة ان نرى جيلا هو امتداد حقيقي للأمهات والآباء التنويريين الذين أنجبوا أمثال معصومة ورولا وسلوى وذكرى وأسيل.