سأبدأ المقال بسؤال مباشر، وهو «ماذا يعني حرف الدال الذي يسبق اسم صاحبه أو صاحبته»؟ الإجابة على هذا السؤال من شقّين: الأول علمي والآخر اجتماعي.

Ad

في الشق العلمي حرف الدال هو اجازة لحامله باجراء البحوث العلمية في أحد فروع العلوم التطبيقية أو الانسانية. والرسالة التي يقدمها الباحث لنيل الدكتوراه في ذلك الفرع العلمي، هي ليست نهاية المطاف بل بداية العناء. الذين يكتفون بنيل الاجازة لإضافة حرف الدال أمام أسمائهم ويقررون التوقف عن متابعة بحوثهم ودراساتهم، ينتمون إلى الشق الاجتماعي لا العلمي.

إن الوهم الذي أصاب مجموعة من الدكاترة وليس الكل، بالتأكيد هو أن حرف الدال هو السبيل الوحيد للحصول على مهنة مدرس في الجامعة. للأسف في الوطن العربي يبدأ المُجاز في التدريس مباشرة في الجامعات بعد حصوله على اجازته، والسبب في ذلك يعود الى اختفاء مراكز البحوث والدراسات التي تصقل خبرة الخريج وتؤهله للعمل البحثي.

في العالم الصناعي والاقتصادي الذين يعودون إلى التدريس هم في الأغلب ممن مارسوا خبرات علمية لسنوات طويلة في مراكز مختلفة، وحملوا مؤهلات بحثية يستطيعون من خلالها اثبات جدارتهم مع منافسين لا يقلون كفاءة وخبرة عنهم.

في الحالتين السابقتين حرف الدال حق مكتسب لصاحبه ممن نال اجازة البحث، سواء مارس دوره البحثي أو اتجه الى مجال آخر محتفظا باللقب الاجتماعي. الكارثة التي نواجهها اليوم هي شراء الحرف مجردا من دون عناء البحث الأصلي أو البحوث المرتقبة من حامل الحرف، والسؤال الذي لا أجد الاجابة عنه هو: كيف يشعر انسان ما اشترى بماله شهادة من دون العلم الذي تحمله؟ يذكرني هذا بحكاية ثياب الامبراطور التي كتبها الكاتب هانس كريستيان، فهو يحتاج فقط الى طفل بريء لا ينافقه ليشير الى عُريّه.

بالتأكيد ليس الهدف من هذه الشهادة هو الحصول على وظيفة أو مهنة التدريس في الجامعة، فليس للشق العلمي هنا أي دور وأكاد أجزم أنه لن يستطيع ممارسة علمه الوهمي حتى أمام أبنائه، اذاً الهدف هو الشق الاجتماعي؛ الهدف أن يتكرس الحرف أمام اسمه ليحقق له الوهم اللذيذ، فبعد أن يستمع للكثير من الأصوات تنادي اسمه مسبوقا بحرف الدال، يصبح من الصعب حتى عليه هو شخصيا أن يكذبهم.

الأشخاص الذين عشقوا العلم لم يكن الحرف القاتل يشكل لهم عبئا، نعلم أن العقاد لم يكن متعلما ومجموعة من الدكاترة تعجز أن تحذو حذوه، والقاص زكريا تامر كان حدادا ومحمد شكري لم يتعلم القراءة قبل العشرين من عمره. وآخرون حملوا الحرف ولم يكن هو سر وجودهم الاجتماعي، فيوسف ادريس وابراهيم ناجي كانا طبيبين ولم يشتهرا بالطب.

الذي يبحث عن وجوده الاجتماعي بشراء دكتوراه في الفراغ ليس مفلسا في الشق العلمي فقط، بل مفلس أيضا في الشق الاجتماعي، فالأخلاق الاجتماعية في أي مجتمع لا تقبل المزوّر والكاذب والمدّعي وسلسلة الأوصاف التي تنطبق على صاحبنا. عدد كبير من الروائيين والشعراء في العالم العربي والغربي لا يضيفون حرف الدال أمام أسمائهم حين يتعلق الموضوع بابداعهم، لأنه ببساطة ليس السبب في الابداع.

لدكاترة الفراغ أقول: ان المجتمع يعرفكم وينطق بألقابكم على سبيل التندّر ليس إلا.