الخطاب الانتخابي في الكويت هذه الأيام لا يحتاج الى مجهود لغوي لتحليله. لقد اعتدنا فيما سبق أن نميز بين خطاب فرد أو جهة معارضة تسعى الى اصلاح خطأ ما في مقابل خطاب مغاير يتفق مع الحكومة بل وينافس الخطاب المعارض محاولا دحض أفكاره؛ ذلك يبدو منطقيا ومقبولا في كل التجارب الديموقراطية. الذي يشد الانتباه في الخطاب الانتخابي الحالي هو اتساقه، مؤيدا ومعارضا، نحو الوقوف ضد الحكومة بالرغم من ادراك الناخب والمرشح المرجعية التاريخية لهذا الخطاب وصاحب هذا الخطاب. تستمع الى مرشح يتحدث خارج النسق الطبيعي لأدائه في الماضي، خارج حقيقة علاقته مع مضامين الخطاب الذي يلقيه.

Ad

تلك الحالة الخطابية الغريبة ذكرتني بقصة قصيرة جميلة كتبها القاص «دبليو بي كانسيلا»بعنوان» الاجتماع الافتتاحي The Inaugural Meeting» تتناول القصة حكاية مرشح من الهنود الحمرللانتخابات الكندية يروج لنفسه بالهجوم على الحكومة ودغدعة مشاعر الهنود الحمر فى معسكراتهم مذكرا اياهم بالمظالم التي يعيشونها وأنه الوحيد الذي يمتلك مفاتيح الخلاص من تلك المظالم. أخذ الحماس المرشح «هوبارت ثندر» وارتفع صوته ليطالب الحضور بالوقوف بحزم تجاه تلك الممارسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة. ولكي يقنعهم أكثربأنه شخصية مستهدفة أخذ يكرر على مسامعهم كيف أرسلت الحكومتين الكندية والأمريكية رجال استخباراتهما لمتابعة خطبه. يقتنع بطلا القصة بحكاية السيد «ثندر» حين يلاحظان عددا من الرجال البيض لا ينتمون الى معسكرهم يقفون فى الخلف وقد علقوا سماعات بيضاء بآذانهم. يصعد بطلا القصة الى المنصة ويظهران تعاطفهما مع المرشح الذى يحس بأنه نجح فى مهمته وهو يلاحظ الأصوات ترتفع تطالب بالقصاص من الحكومة. ولكن الحماس الذى أظهره الحضور كان يشتعل أكثر والسيد «ثندر» يطالب الشباب باستخدام القوة ضد كل ممتلكات الحكومة بدءا من سكك الحديد، الطائرات و السيارات الحكومية. في منتصف تلك الخطبة العصماء يخرج بطلا القصة الي خارج القاعة مصطحبين معهم مجموعة من شباب المعسكر. يلاحظ الشباب وقوف ثلاث سيارات خارج قاعة الاجتماع؛ واحدة قديمة على مقعدها الخلفي مجموعة من البوسترات للسيد « ثندر» وسيارتين حكوميتين جديدتين. يفهم الشباب أن السيارة القديمة هي سيارة المرشح «المناضل» والسيارتين الجديدتين لرجال الاستخبارات الكندية والأمريكية. كان القرار هو تحطيم السيارتين وابقاء سيارة المرشح. لكن المفاجأة أن المرشح خرج مندفعا من القاعة وخلفة رجال الاستخبارات. صرخ بالشباب ماذا صنعتم؟ هذه السيارات لي منحتني اياها الحكومة لأتمكن من اكمال جولتي. نظر الشباب نحو المرشح. قالوا « توقعنا أن السيارة القديمة لك» . لم يرد المرشح، أحاط به رجال الاستخبارات وهم في الحقيقة لم يكونوا سوى رجال أمن أفرزتهم الحكومة لحمايته. ركب الجميع السيارة القديمة وغادروا المكان وسط دهشة الهنود الحمر.

لا أرى أن الخطاب المتشنج هو السبيل الحقيقي لاقناع الجمهور الذي اكتسب وعيا خاصا يفوق أحيانا وعي المرشح والدائرة الاعلامية والثقافية التي تحدد له شكل الخطاب ومستوى النبرة الخطابية. ان الناخب يعي أن الحكومة هي من صنعت أمجاد عدد لا بأس به من الذين يصرخون اليوم ضدها.