المغترب المسلم يختلف عن غيره من المغتربين في بلاد الأحلام والفرص، وربما نعذر الجيل الأول من المغتربين المسلمين، لأنه يعيش صدمة الحضارة وهي صدمة قد تطول نسبيا مقارنة بغيره من المغتربين، أما الجيل الثاني من المغتربين المسلمين فلا نجد له عذرا، وبمقارنة بسيطة بين المهاجر اليهودي الى أميركا الشمالية والمهاجر المسلم، نجد أن الأول يسلك طريقا جادا نحو البحث والتحصيل العلمي الرفيع، بينما يتخلف الثاني رغم تكافؤ الفرص وتباين القدرات. المهاجرون المسلمون الى كندا، والعرب منهم تحديدا، يفوق عددهم اليهود بمراحل ويشكلون أغلبية ثانية في بعض المدن الكندية، لكن مخرجات الجالية الاسلامية لا تُقارن بمخرجات الأقلية اليهودية. لا أستطيع في هذه الزاوية أن أعدد انجازات اليهود العلمية والثقافية، وسأذكر على سبيل المثال لا الحصر بعضا منهم: سيدني التمان الفائز بجائزة نوبل للعلوم البيولوجية عام 1989، رودولف ماركوز نوبل في الكيمياء عام 1992، جونز شارلز بولاني نوبل في الكيمياء عام 1986، ماريون شولز نوبل في الاقتصاد عام 1997، شاؤول بيلو نوبل للآداب عام 1976 وهو يحمل الجنسيتين الأميركية والكندية، الشاعر الشهير ليونارد كوهين وايرفنج ليتون وأعداد كبيرة من الأدباء والعلماء، كل هذا من جالية لا تتجاوز ربع مليون نسمة مقارنة بملايين المسلمين والعرب، مؤمن خواجة المذكور في أعلى الزاوية ليس هو السبب، قطعا، في ذلك التباين، لكنه كان يمتلك الفرصة التي امتلكوها وأضاعها، كيف؟ هذه حكايته:

Ad

مؤمن خواجه شاب مسلم من الباكستان انتقل والده قبل أن يولد هو الى كندا، السيد خواجه الوالد كان أكاديميا استطاع أن يحقق لعائلته فرصة عيش طيبة في كندا. اشترى لهم بيتا في ضاحية أورلينز من أعمال أوتاوا وسهر على تعليمهم حتى تفوق مؤمن في الرياضيات، اطمأن الوالد على نبوغ ولده فتركه وشقيقه في السنة النهائية من المرحلة الثانوية وغادر الى السعودية لانشاء أكاديمية علمية، أثناء تلك السنة انقلبت حال مؤمن وأصبح يسهر كثيرا في الحانات وأماكن اللهو وكأنه يرى المدينة لأول مرة وليست مدينته التي ولد فيها ونشأ، رسب في نصف السنة وأحس بالضياع وقبل أن يغرق تماما لجأ الى مسجد بلال في أورلينز، جلس طويلا مع إمام المسجد الذي نصحه وعطف عليه حتى أخرجه من أزمته وعاد الى مستواه في الرياضيات، أكمل مؤمن تعليمه الجامعي عبقريا في البرمجة وصمم برنامجا soft wear استطاع أن يبيعه لوزارة الخارجية الكندية التي استخدمته في كل سفاراتها في الخارج، وحقق الثراء السريع لمؤمن مكتبا في وسط العاصمة وسيارة وسترة أنيقة وربطة عنق وحقيبة «سمسونايت»، ولم ينسَ إمام مسجد بلال فأخذ يتردد عليه ولم ينسَه الإمام أيضا فعرّفه الى مجموعة المسجد ومجموعة أخرى في لندن تواصل معهم مؤمن عبر البريد الالكتروني ثم ذهب معهم عام 2003 الى الحدود الباكستانية-الافغانية، عاد بعدها ناقما على أميركا وبريطانيا، هذه المجموعة البريطانية لم تكن سوى المجموعة المتهمة بأحداث تفجير وسائط النقل في العاصمة البريطانية، أما مهمة مؤمن خواجة فكانت تصميم برنامج يستطيع اعماء الكاميرات ويمكّن المجموعة من تفجير القنابل عن بعد، وتمكن مؤمن من انجاز البرنامج لكنه لم يستطِع ارساله إلى المجموعة.

الذي لم يعرفه مؤمن أن أحد رفاقه في مسجد بلال كان يعمل مع المخابرات الكندية وأبلغ عنه في الوقت المناسب.

قلب مؤمن حياة والده الذي ترك عمله وعاد يتابع محاكمته وحياة شقيقه ووالدته التي تقول « أكره الخروج الى الشارع يقولون عني أم الارهابي، لكنني أنا فعلا أم مؤمن خواجه»، الغريب أن المحكمة رفضت اتهامه بالتخطيط لتفجيرات لندن وأبقت تهمة الاتصال بجماعة ارهابية.