تُصاب بحالتين من القهر المركب وحالة واحدة من الأمل، وأنت تتابع الفيلم العربي «دكان شحاتة»، ولأنني لست متشائما دائما سأبدأ بحالة الأمل.
الفيلم كعادة أفلام خالد يوسف، منذ كان تلميذا نجيبا ليوسف شاهين، يتميز عن المنتج الاستهلاكي السائد الذي يعاني هبوطا حادا في المستوى يصل حد الإسفاف، خالد يوسف يجيد صناعة حالة انسانية معتمدا على التاريخ القريب والمستقبل الممكن، ويتمكن باقتدار من استنطاق الكاميرا مختزلا الحوار ومعتمدا على ايحاءات الصورة، فبعد رحيل شاهين وعاطف الطيب وغياب داود عبدالسيد، يبقى الأمل معقودا على هذا المخرج رغم رداءة الظروف المحيطة بالإنتاج السينمائي الجاد التي يلعب الجمهور الدور الرئيس في تطورها وتدهورها، باعتبارها منتجا تجاريا، واعتباره -أي الجمهور- مستهلكا.حالة الأمل هذه، وإن كانت متصلة بحالتي القهر التاليتين، لكنها تشكل اضاءة جميلة وسط هذا الهذيان المخجل لصناعة السينما العربية.حالة القهر الأولى، وهي الأكثر علاقة وتشابكا بحالة الأمل أعلاه، هي اضطرار خالد يوسف إلى بيع أهم أدوار الفيلم لمطربة فاشلة فنيا وناجحة جسديا لتحقيق معادلة تسويقية تضمن نجاح الفيلم تجاريا.يعي خالد يوسف متطلبات المتلقي العربي الآنية لحضور فيلم جيد أو مسرحية جادة، ولكي يحقق طرفي المعادلة كان لا بد له أن يتنازل وينحني أمام رياح الرغبة الجماهيرية ويضحي بأهم أدوار الفيلم مغامرا باسم فنانة غير موهوبة، لكنها «جماهيرية» جدا.حاول يوسف جاهدا أن يقود أداء الممثلة التي تقف أمام كاميرا سينمائية لأول مرة، ونجح في مرات كثيرة في إخضاع الممثلة لحركته الاخراجية وضمان تفاعلها مع دور أضخم بكثير من قدراتها، أما العبء الحقيقي أمام المخرج والممثلة، فهو أداء الفنانة غادة عبدالرازق الرائع لدورها الأقل حجما والفارق الشاسع بين الممثل وشبه الممثل. حالة القهر أساسها سيطرة السائد التافه على القليل المبدع والخضوع لأرقام الشباك، أو اللجوء إلى المنتج الغربي لصناعة سينما متميزة.لن ألوم خالد يوسف على ما فعل، فهو بالتأكيد يعرف أكثر مني حالة الانتاج السينمائي ويقرأ بشكل جيد وضع الشباك والتوزيع، ولربما هو يشعر بالمرارة ذاتها، لكنه قدم فيلما يحمل رسالة مهمة وهي حالة القهر الثانية.الشخصية الرئيسة في الفيلم أو شحاتة، قدمت لنا صورة سلبية لمواطن عاشق لمكانه وأخوته، شخصية تتعامل مع آلامها بقدر من الحب والعفو يفوق المقدرة البشرية على الحب والعفو، باع كل ما يملك من أجل أن يحتفظ الآخرون بما يملكون، سرق أخوته مصدر عيشه، سرقوا حبيبته، وسرقوا تاريخه ومستقبله وبقي سلبيا محافظا على تضحية غير مبررة لمجموعة من الأفّاقين يرفضون وجوده. شحاتة، ومن خلال تواريخ مقصودة تظهر في بداية الفيلم وتتوزع على مساحته الزمنية، كان دائما الضحية التي لا تقاوم ولا تعترض، لا تحتج ولو بكلمة ضد من يسلبها حقها في الحياة. شخصية تصيبك بحالة من الهستيريا والاحتجاج على بلادتها، وعدم تمردها على فظائع متتالية مورست بحقها. رفضت أن تدافع عن حقوقها ورفضت أن يقوم الآخرون بالدفاع عنها أو الثأر لها، شخصية تصيبك بالقهر، لكنك تكتشف فجأة أن حياة شحاتة هي حياتك، وان ما مر به عبر التواريخ التي مرت على الشاشة هو ما مر بك، وربما أنت أكثر سلبية من شحاتة.
توابل - مزاج
الحياة شحاتة
09-08-2009