بالرغم من قسوة الطقس ومحاولات الغبار المتكررة للحد من كل محاولة تجميل لهذا الوضع الساكن حتى الملل؛ بالرغم من نبرة التذمر التي يرددها كل من حولك وأنت تستمع بألم الى شكاوى المهتمين بالشأن الثقافي؛ بالرغم من كل هذا وأكثر استطاعت أمسية الشاعرة البحرينية وضحى المسجن أن تضفي بهجة لفضاء الشعر ونحن نستمع لنشيجها الخاص في أمسية تميزت بغياب جمهورها النوعي، ولكنها فتحت جراحات صغيرة علينا نقاشها وفهم أسبابها، وسأترك شعر المسجن لمقالة تالية.

Ad

في أمسية سابقة لأمسية وضحى المسجن ألقى الناقد المسرحي الدكتور علي العنزي والزميلان علاء الجابر وسعداء الدعاس ما يشبه الندوة المصغرة، عن أحوال المسرح والعاملين فيه، تناولوا من خلالها أسباب الأزمة المسرحية. تمكن الدكتور العنزي من أن يضع يده على العديد من الجروح الصغيرة بشأن أزمة المسرح، اختلفت مع الدكتور العنزي حول تحميل الدولة والمؤسسة الرسمية وحدهما مسؤولية تردي الأوضاع، وألقيت العتب على العاملين في المسرح والشأن الثقافي بتحميل أوزارهم على عاتق غيرهم. في تلك الأمسية المسرحية كان بودي أن أسأل الدكتور العنزي لماذا لم يحضر زملاؤه في المعهد العالي للفنون المسرحية محاضرة زميلهم وهو يناقش أزمة يعانونها؟ لماذا لم يحضر طلبة الدكتور العنزي وأستاذهم يحاضر خارج أسوار المعهد، والجميع يعلم أن الخطاب خارج المؤسسة التعليمية غير الخطاب داخلها؟ لماذا لم يحضر فنان واحد سواء كان شابا أو مخضرما لندوة تناقش مشكلاتهم؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ نتكاسل دائما حين نناقش همومنا الثقافية، وننشط أبدا حين نلوم الآخرين حول ما تكاسلنا عنه. هذا ليس إعفاء للمؤسسة الرسمية وضرورة دورها، ولكني أراه دورا تكميليا وليس أساسيا، هو تطعيم للنشاط إذا افترضنا وجوده ولكنه ليس جوهر النشاط.

وجاءت أمسية وضحى المسجن لتضيف ملحا على الجرح، أمسية لشاعرة متميزة من الخليج يغيب عنها الشعراء الشباب والكهول، وفي اليوم التالي يتصلوا للسلام عليها، أمسية لا يحضرها ناقد أو أستاذ للنقد، ويبقى الحضور مجموعة من الأصدقاء الذين يترددون على الأمسيات، وهم أيضا كانوا حضور ندوة المسرح بالأمس. كان هذا حال العمل التطوعي وحال العمل الرسمي ليس بأفضل مما سبق. عرض المجلس الوطني بالتعاون مع نادي السينما مجموعة من أفلام الشباب الكويتي المهتم بالشأن السينمائي، وهي محاولات مبشرة رغم ضعف الإمكانات. كانت الصالة جميلة وأنيقة وخالية أيضا من الحضور، فلم يكن العدد يتجاوز أصابع اليدين. تقام أمسية أو محاضرة في رابطة الأدباء يقل حضورها عن رواد الديوانية المجاورة لمسرح الرابطة.

هذا الغياب ليس له مبرر سوى تردي أحوال المثقف ويأسه. ولا يمكن معالجته إذا لم يتم تخطي حالة اللامبالاة التي يعيش فيها المثقف وتعيش فيه. من السهل جدا أن نلوم الأوضاع حولنا، وأن نقرر بكل بساطة أننا محبطون، من السهل جدا أن نصنع شماعة ليأسنا، ولتكن الدولة والمؤسسة الرسمية لأنها الشماعة الجاهزة دائما والتي سيؤيدنا الجميع في لومها، ولكننا لا نفعّل طاقاتنا ولا نتفاعل مع أبسط فعالياتنا الثقافية سواء كانت رسمية أو تطوعية.

أؤكد ختاما أنني لا أنتمي إلى المؤسسة الرسمية، ولم أكن عنصرا من عناصر فعالياتها الثقافية، ولا أريد أن أكون، ولست محاميا أو مدافعا عنها، ولكنني أؤمن بأن الثقافة مسؤولية من يعتقد أنه ينتمي إليها أولا وقبل كل شيء. وأبسط الأمور هو قتل هذا الغياب بالحضور.