ليس لأنني أنظر الى المشهد الاجتماعي أو الثقافي كشخص عاد بعد زمن الى الوطن، فمجموعة من الزملاء المهتمين بالشأنين الثقافي والاجتماعي يشاركونني الرأي، عن الخلل الكبير في السلوك الثقافي للفرد المواطن أو المقيم. لا أمتلك تفسيرا لهذا الخلل، الذي يبدو غير منطقي حين نناقش التطور الاجتماعي والتراكم الثقافي والمعرفي لدى الفرد منذ بشائر المرحلة التنويرية في خمسينيات القرن الماضي. كيف لنا أن نفهم أو نفسر هذا الانحراف السلوكي اذا اقتنعنا بأن الجيل الحالي هو أبناء وبنات جيل متعلم وتلك ميزة لم يحظ بها جيل الآباء.

Ad

الذين ينظرون إلى الثقافة على أنها المطالعة الأدبية أو الاهتمام في صنف ما من صنوف المعرفة ليسوا مخطئين في ذلك، ولكن الأهم أن يضيفوا الى هذا التعريف أن الثقافة هي قدرة الفرد على عكس صورته الثقافية في المحيط الذي يعيش فيه. فدراسة المعطيات تدل على أن الجيل الحالي تتوافر لديه فرص لم تتوافر لأسلافه. عدد الجامعات والمؤسسات التعليمية النوعية يزداد بشكل لافت للنظر. لا تخلو حارة أو منطقة صغيرة من مسجد، أسرة صغيرة متعلمة، جمعيات نفع عام تعنى بالشأن الرياضي والاجتماعي للفرد، مجلس أمة متعلم ويكاد يكون مؤسسة أكاديمية، أما مخرجات هذا التطور فمغايرة تماما لما يجب أن تكون عليه.

ما يعكسه لك الشارع من سلوكيات الأفراد يصيبك بالخيبة، هناك استهتار يستشري بشكل بشع. الذين يصلون يوم الجمعة يخالفون أبسط قوانين المرور فيغلقون الدوارات والشوارع الفرعية غير عابئين بحرية الآخرين، وأتساءل أحيانا كيف ستدخل سيارة اسعاف أو اطفاء الى بيت محترق قريب من المسجد؟ قائد مركبة لا يمانع أن يلقي هو أو أطفاله بأكياس فضلاتهم من السيارة، شاب من المفترض أن يكون غير أمي لا يحترم مسنا أو امرأة تشاركه الطريق. هذه المظاهر وغيرها ليست مظاهر استثنائية يمكن تجاوزها وغض النظر عنها، لكنها ممارسات يومية يشترك فيها الأغلبية.

حين أقارن بين جيل ولد لآباء متعلمين وجيل الآباء الأميين أشعر بالشفقة على الجيل الحالي. حين أقارن بين أعداد المتعلمين اليوم وحملة الشهادات العليا وبين الجيل السابق لا يمكن فهم غياب الهوية الثقافية والاجتماعية للفرد. فلنأخذ مجلس الأمة الحالي، ومقارنته بالمجالس السابقة كانعكاس للوعي الشعبي ومرآة للمجتمع المدني. هذا الوعي بالاختيار ليس انعكاسا للممارسات السلوكية للفرد.

على من تقع مسؤولية النهوض بالفرد وتقويم السلوكيات التي تعكس ثقافة شعب بكامله؟ هي بالتأكيد ليست التربية فقط وليست منوطة برجال الاجتماع فقط، وأقسى ما أعتقده أن تكون مسؤولية رجال الشرطة.

انها مسؤولية الفرد حين يؤمن بدوره الاجتماعي وانتمائه الثقافي في رسم صورة حقيقة لوطنه الذي ينتمي اليه. لماذا نكون أمناء على سمعة البلاد التي نزورها ونؤمن بالتزام سلوكيات أفرادها وننسى ذلك حين نعود الى وطننا؟

الأمر ببساطة هو أننا شعب تعلم أن يكون اتكاليا في كل شيء، هناك آخر يقوم بما يجب علينا أن نقوم به، هذه الاتكالية شكلت شخصيتنا الثقافية والاجتماعية لكن بشكل سلبي مقيت. الثقافة تبدأ من الفرد لتعكس صورة المجتمع والسلوك الثقافي للفرد هو ألف باء الوعي الثقافي.