هذه المقالة ليست ردا على أحد، وليست للدفاع عن أشخاص مهما كانت مكانتهم بالنسبة إليّ، وهي أيضا ليست للهجوم أو التهجم على أحد مهما كان موقفه الشخصي مني، أضف إلى ذلك كون هذه المقالة ليست لتأجيج الموقف المتشنج أصلا وصب الزيت على النار في الصراع الأخير بشأن إشكالية المثقف والتجمعات الثقافية.

Ad

أعترف سلفا أن المزيد من الردود والردود المضادة ستُخرج النقاش من مساره الثقافي إلى مسار مغاير تدخل فيه الشخصانية وتطغى ردود الأفعال على الأفعال، الهدف هنا يتعلق بأسباب الصراع وسلوك الكاتب خارج العملية الإبداعية.

يفترض القارئ العادي ـ غالبا ـ أن المثقف والروائي والشاعر والناقد الأدبي شخصيات تقدم المثال الإنساني؛ هي شخصيات منحتها التجربة الحياتية والممارسة الأدبية رقيّا خاصا يتمثل في العمل الإبداعي ونبلا إنسانيا يمثله التعامل مع الآخر، والذي يدركه المثقف ويتجاهله في ذات الوقت، هو أن تلك الصراعات الجانبية والمعارك التي حسمت نتائجها بهزيمة الطرفين مسبقا ستهز صورة المتصارعين المثالية وتربك قناعة القارئ بحقيقة جوهر المثقف.

في حالة صراع كالذي يحركه البعض ضد الملتقيات الثقافية التي تشكل روافد ثقافية للارتقاء بالحركة الثقافية في الكويت، يختلط المثقف العامل بالمثقف العاطل، وعلى الأول أن يستمر في جهده من دون الالتفات إلى الثاني الذي يتصيد له الأخطاء، وإن لم يجِد اكتفى بالاتهام المجاني وهو اتهام لا يحتاج إلى كفاءة ثقافية بل إلى كفاءة من نوع آخر. كنت سأفهم وأتفهّم لو أن هذا الصراع دار حول قضية ثقافية يفيد منها القارئ تماما كما يفيد منها المثقف المشارك فيها، كنت سأقبل وأتقبل الصراع لو أنه جاء اختلافا فكريا أو نقديا أو لو أنه جاء حول ذائقة أدبية لعمل من الأعمال الكثيرة التي تصدر في الربيع الثقافي وتشيخ صيفا قبل نهاية العام من دون أن يساهم المثقف في نقاشها والاختلاف الإيجابي حولها.

الملتقيات الثقافية والصالونات الأدبية والتجمعات التي تضع نصب عينيها الهم الثقافي، لا تستحق أن تُهاجم بل أن تُشجَّع وتُدعَم لأنها تقدم صورة للحياة الاجتماعية المثمرة وتعيد الاتزان إلى الصورة الاجتماعية القاتمة التي تقاسمها لونان: أبيض أسود، فإما انفلات اجتماعي أو تزمّت ديني، ولا أقصد هنا الملتقيات الأدبية التي تُعنى بالشأن الأدبي، إنما أقصد أبعد من ذلك. يستطيع دارسو الاجتماع والفلسفة والاقتصاد والقانون والعلوم الطبيعية، أن يشكلوا ملتقيات مشابهة ليمارسوا من خلالها تخصصهم ويتواصلوا مع خبرات عربية وأجنبية من الداخل والخارج، ويكون لهم جمهورهم من طلبة ودارسين ومهتمين بذلك الشأن التقافي أو العلمي. هذه التجمعات الثقافية المختلفة لن تحتاج إلى الكثير من الدعم، ولن تستهلك المال والجهد اللذين تستهلكهما لعبة واحدة من الألعاب الرياضية الجماعية، كل ما تحتاج إليه هو الرغبة الصادقة بالعمل من أجل الكويت وشبابها وهي رغبة لا أرى من يختلف بشأنها، لا أحد يستطيع أن ينكر الضياع الذي يعيشه الشباب في حالتي الانفلات والتزمت، وانتشار تلك الملتقيات سيجعلهم يمارسون عملا من صميم تخصصهم ورغباتهم.

بعيداً عن الصراع وعن ضجيجه، أذكّر الإخوة بأن المجال متاح للجميع باللقاء بمن يريدون من زملائهم وممارسة ما يشاؤون من هوايات، والمساهمة في خلق جو ثقافي يضيف الكثير الى أنفسهم وبلدهم من دون الحاجة إلى التجريح والاتهام الباطل.

إذا لم يتحقق ذلك فليعمد الإنسان إلى ذاته ويستغل هذا الجو الساخن بالقراءة أو الكتابة.