ضياع الهوية
في مثل هذه الأيام، فقدت الأوساط الأدبية علما من أعلام الثقافة الكونية، ففي فجر يوم الخامس والعشرين من سبتمبر عام 2003 توفي المفكر الأميركي- العربي إدوارد سعيد، بعد عقد كامل من الصراع مع مرض، اللوكيميا، عن عمر ناهز السادسة والسبعين. وتذكري لإدوارد سعيد يعود لسببين: الأول مرور العام السادس على رحيل المفكر الذي يحتل أهم مقاعد النقد الكولونيالي في الوقت الراهن، والسبب الثاني عنوان هذه المقالة والذي سأتركه لنهاية المقال.معرفتي الأولى بالراحل ادوارد سعيد كانت في السنوات الجامعية الأولى حين ربطتني صداقة قوية مع الأستاذ الراحل راشد بورسلي (وهو شقيق الإعلامي والشاعر بدر بورسلي)، حين كان مشرفا على نادي اليونسكو في جامعة الكويت، وبورسلي خريج أدب انكليزي. لم أكن قرأت شيئا من أعمال سعيد، وكنت أتلقى معلوماتي من راشد بورسلي الذي كان يصفه بالمفكر الذي لن ينصفه الغرب وربما لن يفهمه العرب.
فكرة سعيد الأساسية هي استخلاص النظرة التي تستحضرها القوة تجاه الآخر، بمعنى كيف ينظر من يمتلك السلطة تجاه من هو تحت سطوة هذه السلطة. كتابه الأكثر تأثيرا في الدراسات المابعد-كولونيالية، وكما يقول هو كان بعد حرب أكتوبر ونجاح الجيش المصري في خلق صورة جديدة للعربي، الذي كان متهما من الغرب بالجبن وعدم المقدرة على القتال. لم تصدق نبوءة المرحوم راشد بورسلي حول عدم انصاف الغرب لإدوارد سعيد وربما صدقت في فهم العربي له. ففي عام 2002 كان أحد المقررات الإجبارية في قسم اللغة الانكليزية بجامعة كارلتون كتاب سعيد «الاستشراق» وسنحت فرصة أخرى لدراسة سعيد ثانية في نقد رواية مانسفيلد بارك لجين أوستن من كتابه الثقافة والإمبريالية. تذكرت سعيد وأنا أقرأ له طفولته الغامضة، كان طفلا يحمل اسما بريطانيا ملحقا باسم عربي فلسطيني الأصل يدرس في مصر ويحمل جواز سفر أميركيا. وكما يصف نفسه «كنت بلا هوية محددة».ضياع الهوية، وذلك هو السبب الثاني لتذكر سعيد، كان المحك الرئيس لأعمال إدوارد سعيد والتي يعيد الغرب وأميركا تحديدا دراستها والانشغاف بها أكاديميا لمعرفة عيوب النظرة الفوقية التي رافقت قراءات الغربيين للعربي.هوية ادوارد سعيد الضائعة في ذلك الزمن يتخاصم عليها اليوم الأميركي والفلسطيني، ومن خلفه العربي، ولأن الرجل يقر بأن «أصله» عربي وهو يفتخر بذلك فسيبقى سعيد مفكرا عربي «الأصل» يحمل الجنسية الأميركية.سأعتب على الدكتور عبدالرحمن العوضي، وهو رجل محنك وسياسي ومثقف فوق كونه طبيبا وهو يصف البدون بأنهم بلا أصول، وأذكره بأن تلك النظرة التي يفهم الكويتي وغير الكويتي تبعاتها كانت نظرة غير موفقة، لكنها نظرة من يمتلك السلطة تجاه من هو تحت هذه السلطة. والسؤال الذي سيواجهه الدكتور العوضي هو هل يعود الأصل الى البدون الذي تقر الحكومة بتجنيسه؟ ربما نعذر العامة حين يطلقون أوصافا تمس الحالة الشخصية وليس الكينونة السياسية، لكننا بالتأكيد لا نعذر المثقفين والدكاترة. وأذكر الدكتور العوضي بأن نيل جنسية ما لا يعني ارتباطها بأصل المرء، فهما موضوعان منفصلان تماما. وأذكره أيضا بزميلي وصديقي دراستي وليد العوضي وخالد العوضي، وكانا من أنبل أصدقائي البدون.