اليوم وفي هذا العصر الكوني وبعد تداخل الحضارات وتعدد أطياف الثقافة والمعرفة في كل مجتمع منفتح على الآخر لا يمكن أن تدّعي مجموعة صغيرة كانت أو كبيرة بأن لها وحدها دون غيرها الفضل المعرفي. لم يدّع العرب وحدهم أنهم من بني الحضارة التي امتدت من حدود الصين الى جنوب فرنسا، ولن تستطيع جالية أميركية دون غيرها أن تنسب إلى نفسها سبب التفوق التكنولوجي والثقافي الحالي. لا يستطيع الأبيض أن ينفي ثقافة الأسود، ولا يستطيع الأصفر أن يلغي مساهمة الهسبانيك. هذه الثقافات مجتمعة هي من شكّل المزيج الثقافي ليس في أميركا فقط بل في أغلب الحضارات الحية ومنها حضارتنا السالفة. ذلك لا يعني أن الآخر لم يكن مضطهدا بشكل أو بآخر ولسبب أو آخر من قبل من يرى أنه أحق منه بالبلد والأرض وبالنتاج الثقافي بمحصلته النهائية، حتى وإن كان هذا الحق تعلوه أكثر من شبهة وأكثر من علامة استفهام!

Ad

الأدب كمنتج من منتجات الثقافة والحركة الحضارية للمجتمع يعيش هذه الإشكالية تحت وطأة المأساة حين نسأله عن جنسيته، وهو ربما المنتج الوحيد الذي نسأله هذا السؤال، إذا اتفقنا على أن أغلب منتجاتنا التكنولوجية والاستهلاكية تحمل الجنسية الصينية باعتبار الصين مصنع الكرة الأرضية الضخم. في سورية لاحظت اهتماما غير مبرر بجنسية أدونيس السورية، والجدل لم يتوقف عن جنسية عبدالرحمن منيف، ومن هو إسماعيل فهد اسماعيل وهكذا. ماذا ستضيف جنسية الكاتب الى كتابته؟ تلك ليست حالة عربية ولكنها حالة عالمية أيضا. فقبل أعوام صدرت لائحة بأفضل مئة كتاب كندي ولم يكن من بينها الروائي العالمي مايكل أونداتجي، فأثارت القضية محررة تقول إنها رأت اسم الروائي في القائمة لكن أحدهم رفع الاسم واستبدله بآخر. لم يهتم أونداتجي بوجود اسمه في القائمة الكندية أو في قائمة وطنه الأصلى سيلان، كما لن يتأثر أدب أدونيس ولن تتغير قيمته سواء كان سوريا أو لبنانيا، وكذلك الحال مع البقية التي تعرف أنها دائما تحمل هموم إنسان هذه الأمة والإنسان أينما كان.

العمل الأدبي ليس منازلة رياضية عليها أن تتم تحت راية بلدان أصحابها، وليس صراعا بين شعراء قبيلتين قبل بدء المعركة وبعد انتهائها، والأديب الذي لا يرى سوى زوايا بيته لا يعرف بهاء الأفق ومتعة اكتشاف ما خلف الأفق. تسقط دائما الكتابات التي تدعو الى نظرة ضيقة ويسقط كتاب وجهة النظر الأحادية متى ما كانت أهداف هذه الكتابات بعيدة عن مضامين التسامح والتعايش الإنساني. وابحثوا عن المجلدات التي سطرت في العراق إنشادا بالقائد الضرورة فلن تجدوا شيئا.

الدعوات التي نلاحظها اليوم من شباب لم يبدأوا الكتابة بعد، يرفضون من خلالها الآخر بحجة الانتماء إلى البيت الكويتي، هي دعوات مشينة لم يغرسها في نفوس أبنائنا الجيل السابق الذي اهتم بعروبته ونشر ثقافته العربية. الجيل الذي احتضن أدباء العرب من مشرقه الى مغربه، وكان يعلم أن جنسية الأدب وهويته هي لغته وانتماؤه العروبي. الجيل الذي تعلم من أشقائه العرب ولا يزال. الجيل الذي يعلم أن أركان الثقافة الكويتية لم يكن لها أن تشيّد وتحمل خصوصيتها لولا مساهمات المثقفين العرب وهي مساهمات ستبقى مستمرة.

لن ألوم الشباب، وأعرف أنه ضحية أفكار حماسية لآخرين يرون وجودهم بالعيش المنفرد وفناءهم بالمعايشة المشتركة. شباب يتابعون إعلاما يكرس التعصب الوطني ويخرج الأديب عن دوره ليكون متسابقا يحمل بيرق بلده ويذود عنه، وعلى أبناء وطنه أن يناصروه. ولن أستغرب حين أرى غدا إعلاما يدعو الى نصرة شاعر الجهراء ضد شاعر الصباحية وشاعر الدمام ضد شاعر الرياض وهكذا.