يشكّل مولد كاتب مبشّر لي ولكثيرين غيري من متابعي الأعمال الأدبية في الكويت بشارة فرح، ومولد شاعر أو شاعرة هو بالتأكيد بشارة مضاعفة.

Ad

ففي هذا الزمن المادي والمتمادي في تجريد الصورة الآدمية للإنسان، أصبح ميلاد ديوان شعر مبشر حلما من أحلام البسطاء أمثالي، ديوان شعر وحيد ومجيد يشكل حجرا من أحجار السد الإنساني المواجه لهذا المد المخيف من الضياع البشري.

ففي زمن يتسارع فيه إيقاع السياسية الاستهلاكية واقتصاد الاستهلاك وتنامي النسيج المادي الذي ينسجه الإنسان حول نفسه من دون أن يشعر؛ في زمن تتفسخ فيه علاقاتنا البشرية وتزداد عزلتنا خلف مادية الشبكة الفضائية، حتى أصبح أبسط سلوكنا الإنساني محكوما بأرقام وحروف الهاتف النقال ولوحة مفاتيح الكمبيوتر؛ في زمن كهذا لا نتوقع ميلاد شاعرة إلا من عزلة مشابهة لعزلتنا لكنها عزلة مبدعة؛ وفي زمن كهذا أكاد أجزم أن هناك أكثر من صوت يعيش عزلته التي اختارها نقيضا لعزلتنا.

لم أقرأ للشاعرة أسماء سعد نصاً من قبل، ولم أسمع بها من الأصدقاء والزملاء قبل أن أقرأ ديوانها الأول «دم كذب»، وهي المرة الأولى التي أقرأ بها ديوان شعر مرتين في جلسة واحدة.

حين أنهيت الديوان انتبهت إلى أنني تركت خلفي الكثير من التفاصيل، وحين أعدت القراءة تيقنت أنني لم أترك شيئا سوى مساحات واسعة تركتها الشاعرة بحرفية مقصودة لأبدأ كقارئ كتابتي الأخرى.

لم يكن سهلا أو متاحا أن تتدخل بكتابة الشاعر لقصيدته، لكن الشاعر الذي يشغل ذهنك هو أيضا ليس شاعرا سهلا أو متاحا، تقول أسماء:

أراض مقدسة

لحى طويلة

وأعمّة تفتي لكل حلم

والعين الأخرى

تتأهب لعري باريس

حيث لا مزارات

ولا أعمّة ولا (...)

.......................

......................

.......................

وضاعت!

بين جسد القصيدة والكلمة الأخيرة في الخاتمة تركت أسماء للقارئ ما يتفق أو يختلف معه، تركت للقارئ مساحة من الزمن كي يفكر ومساحة من المكان ليكتب قصيدته هو، ليكتب حكايته أو موقفه.

ما فعلته أسماء هو ليس سوى فعل التحريض وليس فعل التفكير بالانابة، ليس في تلك القصيدة التي أوردتها مثلا، لكن في مجمل الديوان هناك الكثير من المساحات المتروكة للقارئ، سأترك أنا أيضا هذا المقطع من دون أن أعلق عليه، لكنني أقول إنني سعيد جدا بقراءة ديوان شاعرة لا نعرفها الا من خلال الشعر، وجميل أن تنتج عزلتها هذا الجمال البهي:

أنتظر

(...)

من السماء

حاملا معه أسفارا

تنتشلني من الهاوية

تنفض عني سطوة «دمية البيت»

فيرتدي ليلي ثوب الوهج!