في مؤتمر القصة القصيرة لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي أقيم في الكويت عام 1989، تمت دعوة الدول الست إلى المشاركة بعشر قصص يختارها مجموعة من النقاد في كل دولة، واختار المجلس الوطني للفنون والآداب حينها الدكتور جبرا إبراهيم جبرا لقراءة هذا الكم الهائل من القصص والتعليق عليها. لم تكن هناك جائزة أو لجنة تحكيم، وإنما محاولة للاطلاع على الإنتاج الخليجي في هذا الفن الذي بدأ ينحسر ويهجره محبوه الى الفن الروائي. حضر جبرا إبراهيم جبرا وقرأ تعليقاته على بعض القصص التي أرسلت إليه، فقرأ من الكويت عشر قصص ومن السعودية سبع قصص ومن البحرين ست قصص وهكذا. لم يكن جبرا منصفا في ذلك، وهو دون شك وقع تحت سطوة البلد المضيف، فلم تكن القصص الكويتية تستحق جميعها التعليق، وفي المقابل لم تكن القصص المتجاهلة تستحق التجاهل، ذلك ما جعل الدكتور منصور الحزامي يعلق قائلا: «كانت نتيجة المباراة عشر قصص للكويت وسبع للسعودية وست للبحرين وهكذا، ولو أن المؤتمر كلّف الدكتور جبرا منح جائزة ما لأحد القصاصين لمنحها دون تردد لأحد أبناء البلد المضيف ولن يلومه أحد، فهكذا نحن دائما نقع تحت سلطات أخرى غير سلطة المنطق».

Ad

تذكرت هذه الحادثة حين أخبرني الزميل مهاب نصر بأسماء الروايات العربية المرشحة لجائزة بوكر العربية لهذا العام، وكانت النتائج كالتالي: السعودية ثلاث، الأردن اثنتان، فلسطين اثنتان، لبنان ثلاث، مصر اثنتان، العراق اثنتان، سورية والجزائر رواية واحدة لكل منهما، أما بقية الدول العربية الأخرى فكانت نتائجها الروائية صفرا كبيرا.

قبل أن أبدأ بالتعليق على هذه النتائج أقول إن فوز أي روائي عربي بالجائزة هو فوز للرواية ودعم لقدرتها الهائلة في الوصول الى القارئ، ولا علاقة للمسألة القطرية في نقاش النتائج، ونحن نبارك مسبقا للفائز. الجائزة تحمل اسم بوكر ماكونيل قبل أن تختصر الى بوكر، ولا أعتقد أن الأدب العربي توقف عند ابتكار جائزة تحمل اسم رجل من رجالات الوطن العربي الكبير. باختصار كان يمكن أن تكون لدينا جائزة باسم عربي دون هذا التقليد الأعمى وغير المبرر، وهو تقليد تشوبه شوائب عديدة يمكننا أن نتطرق إليها في مقال قادم، ابتداء من المديرة التنفيذية للجائزة، مرورا بالجانب الانجلوفوني، وانتهاء بآلية عمل الجائزة، التي استقال بسببها الناشر رياض الريس بعد منح الجائزة لرواية عزازيل ليوسف زيدان. أضف إلى ذلك أننا نمتلك تجربة أكثر من ناجحة في هذا المجال وهي جائزة العويس.

أعود إلى المقارنة بين البوكر الأجنبية والعربية، ففي الأولى تتشكل لجنة اختيار الحكام من مؤلف وناشريْن ووكيل أدبي وبائع كتب وموظف مكتبة ورئيس لجنة تختاره المؤسسة، تقوم هذه اللجنة باختيار لجنة التحكيم، وفي الغالب هم من النقاد والأكاديميين والكتاب. في المقابل تقوم البوكر العربية بذات الشيء، ولكن الرواية المرشحة للجائزة يتم ترشيحها من قبل دار النشر اعتمادا على ثقافة صاحب دار النشر الذي ربما يكون ذا اهتمامات ليست الرواية كفن من بينها.

الجميل في النسخة الأجنبية أن مجموعة من الأسماء الفائزة فازت بعد تلك الجائزة بجائزة نوبل للآداب مثل «في. س. نيبول» الذي فاز بالجائزة عام 1971 ونوبل عام 2001، ونادين غورديمير التي فازت بالجائزة عام 1974 ونوبل عام 1991، وهذا يعني أن الترشيح يحمل رؤية نقدية ثاقبة ومبشرة للعمل، وهي رؤية أتمنى أن نحقق جزءا يسيرا منها.

هناك دائما حل وحيد للابتعاد عن حساسية العرب والجوائز، يكمن هذا الحل في ترشيح روائي كبير من كل بلد عربي، وتقديم الأعمال الروائية اليهم بعد نزع الأغلفة التي تدل على المؤلف ودار النشر، كما يحدث في تصحيح أوراق الطلبة في الامتحانات، فحين تنعدم الثقة بالمعلّم هل سنجدها في المحكّم.