ثقافة كرة ام كراهية

نشر في 22-11-2009
آخر تحديث 22-11-2009 | 00:00
 ناصر الظفيري لا يمتلك العاقل وهو يرى صوته ضائعا لا صدى له إلا أن يلوذ بالصمت المرير لما آلت إليه حالنا العربية. كل ما حولنا مازال يؤكد أننا أبناء مخلصون للماضي البعيد، وتقودنا رياضتنا المعاصرة إلى تأصيل الكراهية والتمايز، وتدخلنا مباراة في كرة القدم في أتون الوطنية وتمزق تاريخنا ووشائجنا المهلهلة أصلا على أكثر من صعيد. مباراة في كرة القدم بين فريقين قوميين تعيدنا بسرعة إلى حروبنا الجاهلية، وتذكرنا بداحس حصان قيس بن الزهير والغبراء فرس حذيفة بن بدر في ذلك السباق الشهير الذي انتهى بحرب جاهلية امتدت أربعين سنة. مباراة كرة قدم لم يكن فرسانها لاعبي الكرة، ولم يكن جمهورها مجموعة من مجانين الكرة كما يحدث غالبا، لكنها استعرت فجأة ليدخل ميدانها السياسي الحكيم والفنان الرقيق والإعلامي الأمين على الكلمة والمفكر والروائي الحكيم.

الدرس الذي لن نتعلمه من الرياضة هو التسامح وتقبل الآخر والاهتمام بانتصاره لا أن نحوّل الملعب الى ساحة معركة، هزيمة الفريق فيها هي هزيمة الأمة، والدرس الذي نتعلمه جيدا من الرياضة هو أنها وسيلة لاستعباد العقل والجسد معا. أعرف أن تلك ليست حالة عربية فقط ففي عام 1970 خسر المنتخب البريطاني مباراة، وخسر على أثرها رئيس الوزراء البريطاني هارولد ولسون الانتخابات لصالح منافسه المحافظ ادوارد هيث، ولكن الفارق بين الحالة العربية والبريطانية أن الرؤساء لن يخسروا أو يكسبوا بناء على نتيجة المباراة والخاسر الوحيد هو الشعب البسيط وأغلبهم ربما لم يحضر المباراة.

الدلالات التي تركتها مباراة كرة القدم أكبر من حجم المباراة، يبدو أن المُثل التي نتشدق بها عن وحدة الدم والعروبة والدين والتاريخ المشترك ليست سوى مُثل خيالية ليس لها على الأرض ركائز، ولو من قش تستند إليها. هي أحاديث كتب ووصايا بالقلم الرصاص تستطيع القضاء عليها بمباراة في كرة القدم، هذه الأواصر التي تمتد الى جذور التاريخ يمكن اقتلاعها بضربة كرة قدم واحدة بين ثلاثة قوائم وينتهى كل شيء. ومحاولة اعادة بناء هذه القواعد ليست كمحاولة هدمها.

السبب الحقيقي لمحاولة البحث في أسباب تداعيات هذه المباراة «التاريخية» هو الدور الاعلامي السلبي الذي دخل مباراة فاجرة وتدخل بأعضاء ليست الرياضة من اهتماماتهم الى تأجيج مشاعر الكراهية بين الشعب العربي كله لا المصري والجزائري فقط. الإعلام السلبي الذي لا يعي دوره وخطورة المهمة الملقاة على عاتقه إما جهلا أو كردة فعل، كان بالإمكان السيطرة عليها، هو من قادنا الى هذا الغي. الإعلام السلبي صنع لنا من ثقافة الكرة المفقودة ثقافة كراهية لم نكن في حاجة اليها في هذا الوقت بالذات، والإعلام أيضا هو من فتح الردود لكل من هب ودب ليأخذ ثاراته الصغيرة من هنا وهناك.

على الذين دخلوا أجواء المباراة عن طريق الخطأ أن يخرجوا من المكان الصحيح، وأن يلملموا الجراح التي فتحوها، وأن يتساموا قليلا ويدركوا ما فعلوا ويحاولوا ترميم ما هدموا لترتاح ضمائرهم وضمائر الذين لا داحس لهم ولا غبراء في هذه المعركة.

فاصلة أخيرة

وصلتني رسالة جميلة ورقيقة من الشاعر أحمد الشهاوي يعتب بها على مقال سابق، الرسالة تدل على رقي الرجل ونبل تعامله مع ما يكتب عنه، لك تحية أجمل أيها الرجل الجميل.

back to top