«فيرا

Ad

هل يتذكر أحد هنا فيرا لين؟

يتذكر أنها قالت سنلتقي ثانية

في يوم مشمس ما

فيرا... فيرا

كيف انتهت بك الأمور

هل يشعر أحد هنا بما أشعر؟»

المقطع السابق كتبه روجر ووترز، حين كان أحد أهم أعضاء فريق «Pink Floyd» ضمن أغاني ألبوم «الجدار» الذي أنتجته الفرقة عام 1979. أما فيرا لين فسأعود اليها لاحقا. لم يكن عمل الفريق موجها لرفض الحائط الخرساني الذي يفصل برلين الشرقية عن الغربية بالدرجة الأولى، لكنه بالتأكيد موجه لرفض تداعيات الحرب التي نهبت أحلام الشباب الأوروبي وبدت ملامحها النهائية تظهر جلية في حقبة الستينيات، وهي أكثر الحقب في التاريخ المعاصر انحطاطا وانهيارا، ليس على المستوى الأخلاقي فقط، ولكن على المستوى السياسي أيضا.

روجر ووترز صاحب الجهد الأكبر تأليفا وتلحينا في الألبوم الذي يطلق عليه النقاد «أوبرا» الروك فقد والده في الحرب العالمية الثانية وربما جاءت صورة البطل «Pink» في الفيلم الذي أنتجته هوليوود عن الألبوم مطابقة في معظمهما لصورة الفتى روجر. الطفل الذي رعته أم محافظة أكثر مما يجب وعلّمه مدرس تقليدي يسخر من قصائده أثناء الحصة والشاب الذي تخونه حبيبته والضياع الذي جعله يدمن كل ما هو نقيض للمثل الضائعة هي الشخصيات النمطية التي تخلفها الحروب عادة. «الجدار» بالنسبة الى روجرز كان جدارا خاصا يفصله عن المجتمع الذي يرفضه، وحتى حين كبر وأصبح موسيقيا ونجما بصق في وجه أحد الجماهير القريبة منه في الأستاد وطلب بناء جدار يفصله عن الجمهور أو يفصل الجمهور عنه.

الحرب لم تنتج فقط جدار روجر النفسي البغيض، لكنها أيضا خلّفت جدارا أشد بغضا بين عاصمتي شعب واحد وأصبح، أكثر من ذلك، فاصلا بين أوروبا الغربية والشرقية. في الشرق الألماني يسمى جدارا ضد الفاشية وفي الغرب يسمى جدار العار. لكنه نجح منذ بنائه وحتى انهياره قبل عشرين عاما في تجسيد آثار الحرب على مستوى الفرد البسيط والمدارس السياسية المختلفة.

انهار الجدار وتدفق الشرق الألماني في أحضان ألمانيا الغربية، وتبعته أوروبا الشرقية ليبدأ عصر مختلف كليا عن العصر الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية. كان عام 1989 عام بداية جديدة للعالم وفرصة مثالية حاول من خلالها روجر ووترز إعادة انتاج الجدار مرة أخرى على مسرح كبير، وليس من مكان أفضل من جدار برلين نفسه. أنشأ روجر مسرحا عملاقا لمشاهدين من برلين الغربية والشرقية، وساهم في العمل مجموعة ضخمة من الفرق والمطربين، نقلت العرض أكثر من خمسين محطة تلفزيونية حول العالم وسط تفاؤل كبير بانتهاء عصر الحروب الساخنة والباردة.

كان ذلك في شهر يوليو عام 1990 وبعد العرض بعشرة أيام تحركت جيوش صدام حسين لتحتل الكويت، عشرة أيام فقط لتنتقل الحروب وجدرانها من الغرب الي الشرق ونكون في عين عواصفها الحمراء.

منذ ذلك اليوم والجدران تتمدد بين المرء وذاته، بين المرء وقناعاته، بين المرء وتاريخه وبين المرء ومستقبله، وكلما فتحنا كوة في جدار ألفينا جدارا جديدا.

أعود الى فيرا لين المقصودة في أعلى المقال. كانت فيرا لين وهي من مواليد عام 1917، بلغت الثانية والتسعين الآن، والتي اشتهرت إبان الحرب العالمية الثانية بأغنيتها «سنلتقي ثانية» ومنها «سنلتقي ثانية، لا أعلم أين، ولا أعلم متى، ولكنني أعلم أننا سنلتقي في يوم مشمس ما». يتذكر روجر ووترز المطربة التي وقفت وراء جنود بلادها، ولكنه لا يعلم ماذا جرى لها الآن.

الى كل الأحبة الذين فقدتهم، لسبب أو لآخر، والذين حالت الجدران التي خلفتها الحرب بيني وبينهم، أتذكرهم ولا أعرف ماذا جرى لهم أقول «سنلتقي في يوم مشمس ما».