وصاية لا رقابة
في الخليج العربي ظاهرة شاذة لا أجدها في مجتمعات أخرى. مؤسسات الشعب أقسى في حكمها على الشعب من الحكومات، في مناطق كثيرة من الوطن العربي الكبير، يعاني الانسان العربي تسلط الحكومة ووصايتها على تفكيره وأعماله ونواياه، تلك حقيقة لا يختلف عليها مراقبان لأزمة الحريات في الوطن العربي. أما في الخليج العربي فتبدو الظاهرة عصية على الفهم، فحكم الشعب أكثر تسلطا ووصايته أشد على حريات الناس.المقصود بالشعب هنا هو المؤسسات المدنية التي يحرص كل مجتمع على بقائها لتأكيد حريته كشعب مدني يتولى مهمة إدارة شؤونه. المثال الأول هنا هو حالة الإعلامية السعودية روزانا اليامي التي حكم عليها القضاء بستين جلدة، ولم تكن حيثيات الحكم مقنعة، فتدخل الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليعفو عنها بناء على توصية وزير الإعلام السعودي، لكن التصريح الذي أعلنته الإعلامية اليامي لـ»العربية» هو الأهم في القضية «المجتمع حكم علىّ بالإعدام حتى قبل القاضي نفسه، والعفو الذي صدر بحقي من الملك عبدالله بن عبدالعزيز أنصفني ورد اعتباري ورفع رأسي، فلم أذنب حتى أجلد». المجتمع الذي تقصده اليامي هنا هو المؤسسات المدنية الأكثر قسوة عليها في حكمها من السلطة القضائية. لقد حوكمت من مؤسسات مدنية كانت مطالبة بمساندتها ورفع الظلم عنها.
الأمثلة الكويتية هنا لا تعد ولا تحصى، فالجميع يتذكر المرسوم الأميري الذي أصدره الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بمنح المرأة حقوقها السياسية، والذي عارضته أهم مؤسسة تشريعية في البلد. والجميع يتذكر رفع الرقابة عن معرض الكتاب في عهد وزير الإعلام السابق الشيخ سعود الصباح ومعارضة ذات المؤسسة التشريعية له وقتالها من أجل تكريس مبدأ الوصاية على الناس بينما تقرأ وتشاهد وتسمع. القوانين التي تحد من حريات الأفراد تحت الغطاء المؤسساتي المدني ومحاولة فرض وصاية أحادية البعد تنال الاهتمام الأكبر وتعطل الكثير من القوانين التنموية. وها هي حكاية كل عام تتكرر مع المعرض العربي للكتاب، والذي لا يدركه أصحاب المقاعد الخضراء أن الوصاية اليوم أصبحت مستحيلة وضربا من العبث. أكثر قراء الكتب اليوم منفتحون على مصادر الكتاب وبإمكانهم الحصول على أي نسخة من أي كتاب في العالم بكبسة زر عبر الإنترنت، والهدف غير المعلن من الوصاية هو ليس منع الفرد من قراءة كتاب، لأن ذلك مستحيل اليوم، لكن لتذكير الفرد بأنه تحت وصاية المؤسسة المدنية التي اختارها لتدعيم مفهوم المجتمع المدني. الوصاية ستمتد ليطالبنا أهلها بارتداء اليونيفورم الذي يطابق رؤاهم و أهواءهم.لطلال العيار الرحمة:كنا أطفالا نسكن عشيش الجهراء، وكنا نصحو باكرا في الأعياد لنرى أمام بيوتنا أكياسا وصناديق من الطعام تركها أحدهم ليلا ومضى دون أن يطرق أبوابنا، أو يسألنا إن كنا في حاجة إلى ذلك الطعام أم لا. تربص أحدهم بالسيارة ذات عيد وسأل سائق السيارة من أنتم، فرفض أن يجيب فأمسك بتلابيبه. حاول السائق أن يفلت فلم يستطع ثم قال انها سيارة مبارك العيار. الأجمل هم الناس الذين كانوا ينقلون الأكياس والصناديق من الأقل حاجة الى الأكثر حاجة. كان طلال مبارك العيار، ابن ذلك الرجل، زميلنا في الدراسة والذي لم أسمعه يوما يترفع على أحد أو يتفاخر. كان شامخا غلاما وشابا ورجلا وسيبقى في أذهاننا نحن أبناء الجهراء نتذكر فيه زمنا جميلا عسى أن يعود. رحم الله طلال العيار ورحم زماننا ذاك!