اهل الكار
القراءة التي قدمها القاص الدكتورعبدالمنعم الباز بشأن المجموعة القصصية الأولى للكاتبة سعداء الدعاس أثارت لدي مجموعة من الأسئلة والملاحظات، عن علاقة الكاتب بالكاتب من جهة، وعلاقة الكاتب بالناقد من جهة أخرى. لن أتطرق هنا إلى ما قدمه الدكتور الباز من ملاحظات قد لا أتفق مع مجملها، ولكني بالتأكيد أتفق معه في ما طرحه بشأن حساسية العلاقة بين الكاتب وزميله. تلك حالة عربية وكويتية بالدرجة الأولى لها أسبابها ومعطياتها الشاذة التي عمقتها علاقة الكاتب الكويتي بالكاتب المقيم أو الزائر. وهي الحالة التي تحاشى الدكتور الباز وآخرون من الدخول في حقل ألغامها رغم استطاعتهم ذلك بكل سهولة.العلاقة بين أهل الكار، أيا كان هذا الكار، تتسم غالبا بالتشنج والحساسية التي قد تصل الى العداء، وعلى غرار الواقع، العلاقة بين الكاتب وزميله أكثر حساسية وأشد ترقبا لهفوة هنا أو زلة هناك. اعتاد الكاتب الكويتي أن يكون محل ترحيب أبدي، وتشجيع منقطع النظير لكل ما يقدمه حتى وان كان ما يكتبه هو السخف ذاته. وتصدى لهذه المهمة مجموعة من الزملاء العرب ، ما زال أحدهم حتى اليوم يمارس هذه المهنة القديمة، يقوم هؤلاء الكتاب بالتعرف الى الأسماء الكبيرة، وهي أسماء تنحصر غالبا في ذوي النفوذ المؤسسي أو الاجتماعي ثم دبج مجموعة من المقالات حول أدب هذه الأسماء. والمدقق في هذه القراءات يتأكد أن الزميل العربي لم يقرأ حرفا واحدا من كتب الكاتب الكويتي باستثناء العناوين. قبل فترة قرأت مقالة طويلة عن إسماعيل فهد إسماعيل لم يشر كاتبها الزميل العربي الى جملة أو صفحة من أحد أعمال الروائي، كل ما هنالك هو عناوين لبعض الروايات ومديح مجاني لا يضر ولا ينفع.
هذا المديح العالي للأعمال الكويتية والذي يقترفه الوصوليون جعل التطرق إلى كتابات الكويتيين بشكل موضوعي ومدروس يحمل شبهة الحقد والتآمر عليهم. ولا ألوم الكاتب الكويتي فهو ضحية زميل سابق رفعه الى قمة لن يقبل بما هو دونها، ولا ألوم الزميل العربي فهو صاحب أهداف واضحة ومحددة ولا يريد دخول أعشاش الدبابير أو رؤية كوابيس مزعجة. في المقابل لجأت أصوات نقدية جميلة الى الصمت تاركة الساحة لمجموعة من المرتزقة وأنصاف الكتاب.العلاقة بين الكاتب الكويتي وزميله الكويتي أكثر تشنجا وريبة من العلاقة السابقة، فكل ناقد حقيقي لا يتفق مع غرور الكاتب هو متجن وحاقد والى آخر السلسلة من النعوت والصفات، لكن الكاتب الكويتي في نقده لزميله الكويتي لا يخضع للضغوط التي يخضع لها الزميل العربي، فلا يستطيع أحد إبعاده عن وظيفته أو عن البلد ولا التدخل له في وظيفة هنا أو هناك. وامتناعه عن ممارسة النقد هو فهمه لحساسية الآخر وتشنجه، اللذين يعاني هو أيضا منهما.العلاقة التي تدعو إلى الشفقة هي علاقة الكاتب بالناقد، وهي علاقة غير مكتملة لسبب بسيط هو غياب أحد جناحيها. فلا وجود للناقد الكويتي المتابع لأعمال الكاتب وصاحب النظرة المحايدة لهذه الأعمال. هناك أساتذه يدرسون الأدب الكويتي في الجامعة، لكنهم يكتفون بهذا بعيدا عن الصخب. فلم يمنحهم الكاتب الكويتي فرصة تقبل النقد والاستفادة من مشاريعهم النقدية، لكن ذلك التبرير ليس مقنعا فالناقد هو حلقة الوصل بين الكاتب والقارئ ومن دون دوره النقدي سيبقى هناك خلل في المعادلة الأدبية.