الروائي فؤاد قنديل، الروائية مها حسن والشاعرة حنان عاد ومجموعة جميلة من القراء لآرائهم وقع جميل على نفسي تعليقا على ما كتبت في الأسبوعين الماضيين. شكرا لكم.

Ad

التدهور السريع الذي تشهده مظاهر حياتنا اليومية سيؤدي بنا الى أمرين لا ثالث لهما: إما الوقوف في وجه هذا المد المتردي الذي يعصف بنا أو الانسحاب الى عزلة تامة، وكأن الأمر لا يعنينا، فما هو المجال الذي نراه يحقق تقدما يجعلنا نرفع له قبعة الدهشة وننحني احتراما للقائمين عليه؟ هل هو الفن؟ بدون تنظير ومقدمات مكررة ومملة سأتناول الغناء على سبيل المثال. في السابق حين كنا نسمع عبر الإذاعة صوت المطرب أو المطربة نستطيع أن نحدد اسم المطرب أو المطربة حتى وان كنا نسمع الأغنية للمرة الأولى. نستمع اليوم الى أصوات متشابهة لا يميزها سوى الإسفاف والمبارزة الساخنة في التعري. والتي تخفق بالانتشار السريع تسلك طرقا مشبوهة لتحقيق ذلك الانتشار، كأن تعمد الى تصوير فيلم اباحي أو الايعاز الى مديرها الفني بترويج اشاعة مهينة لسمعتها لترويج اسمها كمطربة الجيل. والمطلوب منا أن نقتنع بأن هذا الجيل الفضائحي هو امتداد للجيل الرائع الذي سبقه. سأل مرة المذيع مطربة لماذا تتعرين كثيرا وأنت تغنين فقالت: لأنني لست فيروز. هل يمتلك أحد تعليقا على هذا؟ أما كتاب الأغنية وملحنوها فليسوا أقل إسفافا من مطرباتهم.

حال المسرح ليس بأفضل من حال الأغنية، المسرح السياسي تراجع تاركا خلفه ذكريات سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا ودريد لحام، المسرح الكوميدي اقتحمته الراقصات وأشباه الممثلاث والممثلين يقفون على المسرح ببضع أوراق هي النص المكتوب لا تكفي مشهدا وحيدا، وما بقي من الوقت المسرحي هو للتندر بعضهم على بعض أو للمساحات المتاحة للراقصة. أي جانب من جوانب حياتنا اليومية يجعلنا على الأقل نشعر بالتفاؤل. كنا سنرضى ونقتنع لو أن هذا الكم من الإسفاف يقابله ما يعادله من الالتزام أو أقل منه قليلا، ولكن ما يحدث هو الكثير من الإسفاف والقليل من الالتزام حتى لا يكاد يرى. الذين يرون أن السبب في هذا الوضع المتردي هو عدم توافر المواهب مخطئون، ليس ذلك هو السبب، ولكن السبب الحقيقي هو تسليط الضوء على هذه النماذج التجارية والظواهر المؤقتة في محاولة بائسة لاسترضاء المستهلك وهذا المستهلك تحول من المتابع الناضج الى الحدث أو الطفل أحيانا. السبب هو صناعة النجم بمواصفات ومعايير تجارية بحتة وليس بمعايير فنية. باختصار لقد تركنا الأغنية تهبط وانحسر المسرح الجاد أمام اكتساح المسرح الهابط ولم يبق ما نعوّل عليه سوى الأدب. هو البياض الجميل الذي نراه ينمو ويتطور. ولأن مريد الأدب يعيش أصلا عزلة مع الكتاب ويمارس حرية الاختيار في انتقاء ما يقرأ فهو لا يخضع لصانع النجم. لا تستطيع قناة فضائية أن تحدد له ما يقرأ كما تفرض عليه شبه مطربة وشبه راقصة، ولا يمكن لمسرح هابط أن يفرض عليه قراءة رواية كما يفرض عليه أن يصطحب الأولاد لمهاترات المسرحيين الجدد. هذه الحرية هي المساحة البيضاء الوحيدة المتاحة أمام القارئ. وما نريده من «الأصدقاء» القائمين على تقييم الرواية والشعر والذين يقحمون أنفسهم في مجال هم أبعد الناس عنه أن يرفعوا أيديهم عن ديوان الشعر والرواية والكتاب النقدي فليس لكم هنا صناعة تجيدونها. أن يتركوا لنا هذا البياض الجميل!

السؤال الذي طرحه الإخوة الذين راسلوني ولم أجد اجابة عنه وأطرحه هنا عسى أن يشاركنا الجميع في البحث عن إجابة له هو: لماذا يتكالب أنصاف المثقفين على التصدي للجوائز الأدبية والقيام عليها، خصوصا تلك التي ترعاها دولة خليجية بينما ينسحب الأدباء الحقيقيون أمامهم؟