جاءت الندوة الثالثة والأخيرة في آخر أيام احتفالية إعلان جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية التي أقيمت في الجامعة الأميركية بالكويت، وشارك فيها كل من الأديبة الكويتية الكبيرة ليلى العثمان، والجزائري السعيد بوطاجين، والعمانية بشرى خلفان، والعراقي محمد خضير، وأدارها فهد الهندال، حافلة بعطر الأماكن ورائحة الزمان على جدران الذاكرة.وتميزت الندوة الأخيرة في الاحتفالية التي أقيمت برعاية وحضور ودعم وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد، بمناقشة قضية عن أهمية المكان في البناء الدرامي عند هؤلاء الفرسان الأربعة، مما أعطاها طعما مختلفا عن الندوتين الأولى والثانية، حيث ترك فيهما العنان للمشاركين لتقديم شهادات عن أنفسهم وتجاربهم وأعمالهم.
وأكد مؤسس ورئيس جائزة الملتقى، الروائي الكويتي الكبير طالب الرفاعي لـ "الجريدة" أن هذا العمل الكبير الذي حقق نجاحا فاق الوصف وتجاوز صداه العالم العربي من محيطه الى خليجه الى العالم بأسره، كان وراءه جهود كبيرة بذلها جنود مجهولون واصلوا الليل بالنهار لإعداد العدة ليكون المهرجان على أفضل صورة من التنظيم والإعداد والاحتفاء بالضيوف.وقال الرفاعي: إنه جهد مميز من فريق العمل الرائع الذي كتب بجهده صفحة مجيدة في تاريخ الحركة الثقافية الكويتية، مما جعل المشاركين من مختلف دول العالم يجمعون على أن "الكويت عاصمة القصة القصيرة العربية".
جهد كبير
وتقدم الرفاعي بالشكر الى لجنة التحكيم التي بذلت جهدا كبيرا في تقييم 190 مجموعة قصصية للمشاركين من 15 دولة عربية، وهم أعضاء لجنة أحمد المديني، (المغرب) وعزت القمحاوي (مصر) ود. فاديا الفقير (الأردن) و د. لؤي حمزة، (العراق)، د. علي العنزي (الكويت). كما شكر أعضاء مجلس الأمناء والمجلس الاستشاري.وأكدت الروائية الكبيرة ليلى العثمان في بداية كلمتها بالجلسة الثالثة والأخيرة من أيام مهرجان جائزة الملتقى أنها سعيدة أن ترى حلما كثيرا ما تمنته أصبح واقعا في أرض بلدها الحبيبة الكويت، ألا وهو إنصاف القصة القصيرة من الظلم الذي لحق بها، رغم أنها تمثل بالنسبة إلى أي روائي المدرسة الأولى التي مر عليها كل الروائيين للوصول الى كتابة الرواية الطويلة.وأضافت: لقد أعادت جائزة الملتقى، التي فاز بدورتها الأولى الفسطيني مازن معروف، الحيوية للقصة القصيرة، وجعلت لها سندا وظهرا، وفتحت الآفاق كبيرة أمام الموهوبين للتنافس من أجل أن يكتبوا الأفضل في مجالها العبقري القائم على الإيجاز في أقل الكلمات لرسم أكبر المعاني.وشددت العثمان على أن المكان بالنسبة إليها هو الأساس، حيث لم يخل أي عمل روائي لها من وجوده، لأنه هو البوتقة التي خرجت منه.منطقة المرقاب
وأشارت إلى أن من أحب الأماكن لها في الكويت منطقة المرقاب التي تميزت بالحيوية والانفتاح على كل ما هو قادم من خارج الكويت، سواء العراق أو إيران أو فلسطين بعد النكبة، كما أنها كانت منطقة تموج بالحياة من فرط وجود العديد من المهن مثل الحدادين والخبازين وغيرهم، مما أعطاها ثراء كبيرا للتعامل في كيفية تناول كل هؤلاء.وبينت العثمان أنها رغم تنقلها في أكثر من منطقة داخل الكويت بسبب زواج والدها أكثر من امرأة، فإنها لم تحب بيتا مثل حبها لبيتها الأول في المرقاب، بل تستطيع الآن أن ترسمه من ذاكرتها "حوش حوش، وسطح سطح، وليوان ليوان، ودريشة دريشة.وأضافت أنها لم تحب منطقتي الشرق وجبلة، لكون الأولى منطقة أهل بحر، والثانية سكن التجار، وكلاهما يسعى لرزقه، مما أفقد الأماكن فيهما الحيوية، ولا تتذكر من ملامحهما إلا بيت وسمية التي جاء ذكرها في روايتها "وسمية تخرج من البحر".ومن جانبها، أكدت العمانية بشرى خلفان أنها لا تقل عشقا عن ليلى العثمان في أماكن البدايات الجميلة، حيث إنها تعشق مسقط القديمة، وتستطيع أن ترسم من ذاكرتها كل شوارعها وحاراتها وأزقتها ودكاكينها، بل ملامح الناس التي كانت تسكن فيها.خصوصية المنطقة
أما الأديب العراقي محمد خضير فقال إنه لا يهتم كثيرا بكينونة المكان، بقدر ما يهمه ما يدور داخل الإنسان في أي مكان، فالأماكن من الممكن أن تتغير، لكن النفس البشرية هي الحافظة بوعي عن شجنها وشجونها.وهو ما شدد عليه الكاتب الجزائري سعيد بوطاجين الذي أكد أنه لا توجد مرجعية أو مدرسة واحدة للقياس عليها، فكل منطقة في الوطن العربي لها خصوصيتها.وكانت الندوة الأولى التي أدارها الناقد السعودي محمد العباس خصصت لفرسان السبق لكي يقدموا شهاداتهم عن خصوصيتهم، حيث شاركت فيها الأسماء الخمسة التي وصلت الى القائمة القصيرة، وهم الفلسطيني مازن معروف، الفائز بالجائزة عن مجموعته "نكات للمسلحين"، والمغربى أنيس الرافعى عن مجموعته القصصية "مصحة الدمى"، والفلسطيني زياد خداش عن «أسباب رائعة للبكاء» خديجة النمر عن "الأفكار السابحة بين الأرض والسماء"، واليمنى لطف الصراري عن "الرجاء عدم القصف"، والمصري محمد رفيع عن "عسل النون".وأجمع الفرسان على أن كتابة القصة القصيرة معاناة كبرى، لكن اللذة عندما تصبح كيانا به كل مقومات العمل الدرامي من بداية وعقدة وختام في أقل كلمات. وتحدث كل واحد من الفرسان عن تجربته ومعاركه مع الحياة وأحلامهم وطموحاتهم. أما الندوة الثانية التي أدارها الناقد العراقي لؤي حمزة، وشارك فيها كل من سلوى بكر وسعيد الكفراوي (مصر)، وإلياس فركوح (الأردن) وجبير المليحان (السعودية)، فكان الطابع الأغلب فيما قدمه المشاركون من شهادات تجاربهم في المجال الإبداعي من البدايات حتى الوصول الى الكويت.