الصين لا تمزح بشأن تايوان
على الجانب الأميركي التعاطي مع مسألة علاقة تايوان بالصين بدقة، واحترام، وبمقدار من الالتزام بالصيغة الدبلوماسية الخيالية، وإن خالف ذلك فلن يثير سخط بكين فحسب، بل سيشعل أيضاً غضب الشعب الصيني الحقيقي، تلك القوة التي تتلاعب بها بكين نفسها أحياناً، إلا أنها لا تنجح دوماً في السيطرة عليها بالكامل.
من المبرَّر أن تدفع محادثة ترامب المتهورة مع رئيسة تايوان تساي إنغ ون خبراء السياسة الخارجية إلى اقتلاع شعر رؤوسهم، فلا تُعتبر البروتوكولات الدبلوماسية الدقيقة التي انتهكها ترامب في هذه الحالة مجرد شكليات. على العكس، تشكّل استراتيجية تكيّف صيغت بدقة لتناسب مشاعر الصينيين التي لا تزال خاماً جداً وسريعة الانفجار. تُعتبر مطالبة الصين التاريخية بهذه الجزيرة أقل عمقاً بكثير مما تعكسه دعايتها، شأنها في ذلك شأن مساحات كبيرة من مناطق هذا البلد الحدودية، فادعاء الصين أن على هذه الدولة الديمقراطية أن تتخلى عن سيادتها لدولة مستبدة بعيدة وغير محبوبة غير مقنع البتة.في الصين، لا تشكل هذه مسألة يمكن التغاضي عنها، عندما كنت أعمل في وسيلة إعلامية صينية تابعة للدولة وناطقة باللغة الإنكليزية، كان المسؤولون ينبهون فريق العمل باستمرار لأهمية استخدام المصطلحات «الصحيحة» عند التحدث عن تايوان.
قبيل وصولي إلى إحدى الصحف، نُفذت عملية بحث ومطاردة حثيثة لمعرفة مَن كتب الجملة التالية: «يُعتبر مصنع الورق الأكبر في الصين وثاني أكبر مصنع في العالم»، وبعد يومَين من التحقيق اقتُطع ثلث راتب المراسلة الصينية المذنبة الشهري، اضطرت إلى كتابة رسالة من النقد الذاتي، وفُرضت إجراءات متشددة للحرص على تفادي تكرار هذه الكارثة في المستقبل. فما كانت المشكلة؟ يقع مصنع الورق الأكبر في تايوان، لذلك تعزز هذه الجملة، التي نُقلت من مصدر أجنبي لا يواجه حساسيات مماثلة، الانفصال على نحو خطير.لكن هوس الصين بالتقليل من مكانة تايوان أدى إلى تركيز الانتباه عليها بشكل متواصل، فتشوّه جمل مثل «خاطبت رئيسة تايوان المزعومة تساي إنغ ون المجلس النيابي المزعوم لجزيرة تايوان الصينية، وهي ولاية صينية، أمس» مقالات الصحف الصينية بانتظام. بالإضافة إلى ذلك، يمزق مسؤولو التعليم الصينيون الإعلانات التايوانية من كتيبات المؤتمرات، ويثير الطلاب الصينيون ضجة كبيرة حول إدراج تايوان كبلد في مباريات Model U.N.. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية. لا تشكّل هذه مجموعةً من القيود السياسية التي فرضها حزب يعاني جنون الارتياب، حزب لطالما كان مهووساً بضبط اللغة وتشويهها. على العكس تمتد جذور هذه المشكلة عميقاً في الصين لأن هذه القناعة تُغرَس في الصينيين منذ الطفولة ويُعاد تأكيدها باستمرار.عندما تدّعي الصين في معظم الحالات أن أمراً ما «جرح مشاعر 1.3 مليار صيني»، يكون كلامها هذا مجرد سخافات مزعجة، ولكن في المسألة تايوان، تقترب ادعاءاتها هذه من الحقيقة. في تطبيق WeChat Moments الخاص بطالبة سابقة، وهي مراهقة ذكية وواسعة الاطلاع، لاحظت مدى غضبها عندما عثرت على علم تايوان على جدار مسكن الطلاب في جامعتها الأميركية الجديدة. فقد أعلنت باستياء شديد: «إنها ليست بلداً!».لا شك أن هذا سلوك متهوّر يعود إلى عقود من الدعاية بشأن تعرّض الصين للإذلال من قبل قوى أجنبية.يشكّل هذا جزءاً محزناً ومريراً من القومية الصينية، جزءاً ينكر واقع ستة عقود على الأرض وحق التايوانيين في تقرير مصيرهم، لكن هذه المشكلة لن تختفي بين ليلة وضحاها.إذاً، على الجانب الأميركي التعاطي مع هذه المسألة بدقة، واحترام، وبمقدار من الالتزام بالصيغة الدبلوماسية الخيالية. فإن خالفنا ذلك فلن نثير سخط بكين فحسب، بل سنشعل أيضاً غضب الشعب الصيني الحقيقي، تلك القوة التي تتلاعب بها بكين نفسها أحياناً، إلا أنها لا تنجح دوماً في السيطرة عليها بالكامل.* جيمس بالمر