«تفاحة حوا»...لا تظلموا الجمهور!
حقيقة مُطلقة توصلت إليها بعد انتهائي من مشاهدة الفيلم الجديد «تفاحة حوا»، الذي يمكن أن نطلق عليه «الفيلم السري». عُرض الأخير ورفُع من صالة العرض من دون أن يراه أحد، أو يستوقف أحداً، ولأنه سيدخل تاريخ السينما (شئنا أو أبينا) ما دام انضم إلى قوائم الأفلام التي عُرضت في الصالات التجارية في العام 2017، توقفت أمامه بكثير من الدهشة، والحيرة !الدهشة لأن شركة إنتاج وليدة أقدمت على تمويل «تفاحة حوا» من دون أن تملك المال والإمكانات والخبرة التي تحتاج إليها مثل هذه الخطوة، ومن ثم تصورت أن الدفع بالوجوه الجديدة، في التأليف والتمثيل والإخراج وبقية العناصر الفنية، قد يُساهم في تقليص الموازنة، ولا يرهقها بأي حال. أما الحيرة فترجع إلى السبب الغامض الذي دفع الشركة المنتجة، ومن قبلها المخرج الذي يُقدم نفسه لأول مرة، إلى اختيار رواية «أكابيلا»، التي أرادت كاتبتها مي التلمساني أن تستعير من خلاله أجواء فن سمعي لا بصري يتم الاستغناء فيه عن الآلات المصاحبة، ويعتمد على الصوت البشري، لتعزف معاناة أبطالها، وهو لون من الغناء، ثم الكتابة، يمثل تحدياً، ويحتاج إلى دراسة وخبرة، وهو ما يمكن قبوله بالنسبة إلى عالم الأدب الرحب. لكن التجربة بدت صعبة، بل مستحيلة، عندما انتقلت إلى عالم السينما، ووقوعها على كاهل شباب قليلي الخبرة بشكل ملحوظ!
في فيلم «تفاحة حوا»، وعلى غرار تجربتي المخرج هاني خليفة في «سهر الليالي» و«حبيبي سكر مر»، نحن في رفقة أصدقاء يُعاركون الحياة بطرائقهم الخاصة، لكن الجديد هنا أن كل واحد منهم يُنشد لحناً منفرداً من دون مصاحبة غيره، تماماً كأجواء فن «أكابيلا»، الذي يعني «الغناء أو الإنشاد المنفرد من دون مصاحبة أية آلات موسيقية، واعتماداً على الأصوات الطبيعية للمؤدين»، فثمة «ماهي»(سهر الصايغ) وصديقتها «عايدة» (يارا عماد) وسرهما الغامض الذي نعرفه قبل نهاية الأحداث. وثمة أصدقاء لا حصر لهم، من بينهم: «كريم» (مصطفى عبد السلام) زوج التونسية «صوفيا» الذي يخونها مع أخريات، ويخشى تطليقها كي لا تتأثر مصالحه في تونس، وهو مشروع «أديب نصاب» سبق له أن باع روايته لناشر وها هو يفعلها مع الناشر «منير» (كمال سليمان) قبل أن تتدخل «هدى» وتفضحه. وثمة الزوج السابق «أسامة» (محمد حاتم) والزوج الحالي «ممدوح» (حسن حرب) الذي تتعرض زوجته لمكايدة أمه (ليلى عز العرب) من دون أن يُحرك ساكناً، والفتاة التي ترفض الزواج من «ضل راجل يدفع الفواتير». لكن الفيلم، على عكس الرواية، يفشل في تكثيف البعد الإنساني للشخصيات، مثلما يعجز في الجمع بينهم على هدف مشترك، ويترك كاتب السيناريو كريم كركور نفسه لطريقة سرد بليدة يحاول أن يلملم من خلالها شتات أفكار الرواية. ويتحمل جزءاً كبيراً من تبعات ذلك المخرج تامر سامي، إذ عجز الاثنان عن إقناع المتلقي بعقدة «ماهي» التي تقمصت دور صديقتها «عايدة»، وعاشت حياتها، وكان عليها أن تدفع الثمن: «لما تاخدي حياتي تديني حياتك»، حسب قول صديقتها «عايدة»، فالصراع، والمناورات، والرغبات، والتوتر العاطفي، والرقة، وربما الغيرة، بين الصديقتين، أفكار تحولت إلى غموض فاتر، وضجر من الفيلم لا من الواقع، في ظل تراجع الاهتمام بالتفاصيل الموحية، والتكرار المُفرط للقطات الفتاة بالنظارة الطبية وهي تكتب على «اللاب»، بينما الحروف تتطاير في الهواء، ووجهها الشارد يتذكر باستمرار، قبل أن نكتشف أن «ماهي» سطت على «يوميات» صديقتها «عايدة»!باستثناء موسيقى محمد ناصف وتصوير شريف طلعت، وفي ظل الفقر الإنتاجي الواضح، وطريقة السرد التي افتقرت إلى التشويق، واعتمدت على الثرثرة والخطوط المتشابكة المعقدة، فضلاً عن العيوب الهندسية الصوتية المزعجة، وكثرة الوجوه الجديدة الشابة، وغياب الفروق بين أصحابها، سواء من حيث الشكل أو الأداء، أصيبت تجربة «تفاحة حوا» بالعفن، وفشلت لقطات استرجاع الماضي، والمزج بينه والحاضر الراهن، كذلك الاستعانة بأغاني فيروز، في إنقاذ التجربة من الترهل (مونتاج أحمد عبد الغني)، وجاءت قصة التفاحة على الشجرة و«حسام» الذي أنقذ «عايدة» أو «ماهي» من الثعبان، لتزيد الأمور تعقيداً وهزالاً (غرافيك تامر مراد)، وترجح أن الجمهور الذي يمم وجهه شطر صالة العرض اكتشف أن «تفاحة حوا» معطوبة!