أصابت المقترحات التشريعية الجديدة التي طرحها الاتحاد الأوروبي حول نقل الطاقة النظيفة بخيبة أمل دعاة حماية البيئة وخبراء السياسة وحتى مصنعي بناء العزل، ولكن على الرغم من ذلك كله وفي ضوء نقص الاهتمام من جانب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ازاء الطاقة المستدامة فإن خطته، على ما تنطوي عليه من حذر، قد تعمل على ضمان حصول أوروبا على الريادة في هذا الحقل، وخاصة اذا تمكن الأوروبيون من تنفيذ العنصر الأفضل في هذه الصفقة – عبر التركيز على المستهلكين وجعلهم ضمن فئة منتجي الطاقة أيضاً.

ومن وجهة نظر هندسة الطاقة الكبيرة فإن الخطة الأوروبية التي طال انتظارها والتي تقع في 1000 صفحة ليست النوعية الطموحة بشكل خاص حتى مع توقع واضعيها لحشد ما يصل الى 177 مليار يورو (188 مليار دولار) في السنة من خلال استثمارات خاصة، وعامة ابتداء من عام 2021، إضافة الى خلق 900000 فرصة عمل مع انتقال أوروبا إلى الطاقة المتجددة بنسبة تصل الى 50 في المئة بحلول عام 2030، وهي تترك إلى حد كبير التفاصيل المتعلقة بعملية نقل الطاقة الى الدول الأعضاء، وثمة أقلية بسيطة من تلك الدول تملك في الوقت الراهن سياسات محددة في ميدان الطاقة المستدامة.

Ad

وكانت الخطة تعرضت الى انتقادات من جانب العديد من المجموعات بسبب سماحها للدول بالاستمرار في تقديم مساعدات الى مصانع طاقة الفحم بحجة عدم الاستقرار في انتاج الطاقة المستدامة مثل الرياح والشمس، وبالتالي فهي تحتاج الى ضمان توافر سعة بشكل دائم، وتطرح الخطة فقط حدود التلوث في المصانع الجديدة. وقد تساءلت مجموعات حماية البيئة كيف يمكن لمثل هذه الخطة مساعدة أوروبا على انجاز هدفها المعلن المتمثل في ريادة الطاقة النظيفة على صعيد عالمي.

عمالقة الصناعة

وعلى أي حال فإن الخطة تتصدى لعمالقة الصناعة في أحد الجوانب المهمة، العلاقة مع شريحة المستهلكين، وتركز هذه الخطة على أشياء مثل تقديم مقاييس "ذكية" يمكن رصدها ومتابعتها عن طريق هاتف ذكي وفواتير مفصلة بقدر أكبر وأكثر سهولة في فهمها اضافة الى سهولة في نقلها من شركة كهرباء الى شركة اخرى. وإذا حصلت الخطة على موافقة من قبل البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء فإن رسوم الجهات المزودة للطاقة سوف يتم تحديدها. ولعل الجانب الأكثر أهمية هو أنها تعلن أن "كل المستهلكين في الاتحاد الأوروبي سوف يحق لهم توليد الكهرباء إما لاستهلاكهم الخاص أو تخزينها أو مشاطرتها واستهلاكها أو اعادة بيعها في الأسواق".

وحتى إذا لم ينجح أي جزء آخر في الخطة كما هو مخطط له ولم يتحقق أي من أهدافها المعلنة فإنها تعادل ثورة في الانتاج من شأنها منح أوروبا درجة من التقدم على الولايات المتحدة بشكل جلي.

ويوجد في الوقت الراهن العديد من الدول المختلفة التي تطبق مختلف القوانين والقواعد لشريحة تدعى "المنتجة المستهلكة" وهي تشمل الأشخاص الذين ينتجون ويستهلكون الكهرباء في آن معاً.

وبصورة عامة فإن هذه الشريحة تملك مجموعة من المصانع الكهروضوئية، وفي وقت سابق من هذه السنة استعرضت وكالة الطاقة الدولية السياسات الوطنية وتبين لها وجود كل أنواع المراوغة والتحايل، وفي بلجيكا، على سبيل المثال، لا يوجد تعويض آلي للطاقة الزائدة، وفي وسع الشريحة المنتجة المستهلكة بيع طاقتها التي تنتجها العائلة اذا تمكنت فقط من العثور على جهة مشترية. وفي ألمانيا لا يتم فقط دفع قيمة الطاقة التي يتم ارسالها الى الشبكة الكهربائية بل إن الجهة المنتجة تحصل على مكافأة لقاء الاستهلاك الذاتي. وتتبع المملكة المتحدة أحد أنظمة المكافأة ولكنه تراجع في الآونة الأخيرة.

وتقوم بعض الدول بتعويض أصحاب البطاريات الشمسية فقط عبر ما يدعى بالقياس الصافي فقط، أي أن عداداتها تسجل ما يتم تقديمه من طاقة الى الشبكة الكهربائية فقط من دون تعويض عن الكمية التي يتم انتاجها بصورة زائدة عن استهلاك العائلة، وفي الدول التي تتمتع فيها شركات الطاقة بنفوذ يتم فرض رسوم على شريحة المنتجين المستهلكين لقاء استخدام الشبكة الكهربائية.

التأثير على الشعبية

وتؤثر القوانين وأسعار الطاقة المحلية أيضاً على شعبية "مواطنة الطاقة" وقد أفضى النموذج الألماني الى زيادة واضحة في البطاريات الشمسية.

وعلى الرغم من أن السماء في ألمانيا ضبابية بصورة دائمة وفصل الشتاء يخلو من أشعة الشمس بصورة مزعجة فإن مصادر الطاقة الكهروضوئية المنزلية أكثر انتشاراً من تلك التي توجد في أريزونا التي تنعم بقدر كبير من أشعة الشمس. وقبل ثلاث سنوات أنتجت تركيبات السطوح السكنية في ألمانيا كمية من الطاقة تتجاوز ضعف ما تنتجه الولايات المتحدة، وكان في ألمانيا حوالي 1.4 مليون منتج للطاقة الشمسية معظمهم من فئة العائلات.

وتعتمد القوانين الأميركية على القياسات الصافية في معظم الولايات، وعلى الرغم من ذلك فإن البعض من تلك الولايات – مثل هاواي ونيفادا –تراجعت في تلك البرامج تحت ضغط من جانب شركات الطاقة، وحتى في حال وجود امكانية للقياسات الصافية أو البيع في أسواق مفتوحة قد يكون من الصعب بالنسبة الى أصحاب بطارية شمسية أن يحققوا فائدة كبيرة منها، وتعمد شركات الطاقة في أغلب الأحيان الى اجبارهم على تركيب معدات اضافية باهظة الثمن أو رفع تعرفة وصولهم الى الشبكة الكهربائية بحيث تصبح الألواح الشمسية غير فعالة من الوجهة الاقتصادية.

ولا تشتمل خطة الطاقة في الاتحاد الأوروبي على نموذج محدد من أجل التعامل مع شريحة المنتجين المستهلكين، ولكن على الرغم من ذلك فإن نجاح تلك الخطة في اقامة أسلوب متناسق بالنسبة الى "مواطنة الطاقة" والتأكد من أن أصحاب الشبكات لا يقيدون الوصول الى الجهات الخاصة سوف يفضي الى تغير في نماذج الانتاج والاستهلاك في شتى أنحاء أوروبا، وهكذا، بشكل تدريجي، سوف يتغير الموقف العادي للمستهلكين ازاء الطاقة.

غازات بيوت الدفيئة

ولن تكون تلك الأهداف العالية مثل خفض غازات بيوت الدفيئة أو زيادة حصة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة، وفي وسع نقل الطاقة المضي الى هذا الحد فقط في الأسلوب المتدني الأقصى، كما أن قادة السياسة يتغيرون وفي أغلب الأحيان لا يضع من يصل الى القمة عن طريق موجة شعبية البيئة على شكل أولوية في برامجه، ويعتبر فوز دونالد ترامب مثلاً جيداً على ذلك.

وإذا سادت الطاقة المتجددة يتعين عليها أن تتحول الى جزء من حسابات معظم الناس اليومية، وبحسب حسابات شركة سي اي دلفت الاستشارية قد يصبح لدى 60 مليوناً من الأوروبيين بحلول سنة 2050 - حوالي 10 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي – بطاريات شمسية على سطوح منازلهم اضافة الى ما يقارب العدد نفسه من المشاركين في انتاج الطاقة عن طريق ملكية مشتركة في سعة الطاقة الشمسية والرياح.

ويوافق خبراء البيئة على ذلك الجانب من خطة الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنهم ينتقدونها لأسباب اخرى، وقد أوضحت ذلك مانون ديوفور، وهي رئيسة مكتب تفكير سياسة الطاقة الدولي في بروكسل اي 3 جي في رسالة بالبريد الالكتروني قائلة: "بشكل إجمالي فإن عناصر الخطة المتعلقة بجانب الطلب في أسواق الطاقة تشكل تطورات ضرورية من أجل تحويل نظام الطاقة في أوروبا الى مستقبل آمن ومستدام، وهكذا فإن المقترحات قابلة للعمل والنجاح بشكل واسع وسوف تسهم في ازالة العوائق الكبيرة التي عطلت حتى الآن تطوير تلك الموارد المرنة والمتدنية الكربون في شتى أنحاء أوروبا".

وعلى أي حال، أشارت ديوفور الى أن تنفيذ معاملة متساوية "لمصادر المرونة الجديدة" سوف يتطلب تحقيق اشراف تنظيمي قوي، كما أن الاتحاد الأوروبي – في ضوء مشاكله القوية – قد لا يتمكن من طرح تركيز للمستهلك في سياسته الخاصة بالطاقة، ولكن صناع السياسة – على الأقل – بخلاف الادارة الأميركية الجديدة – يفهمون أن عليهم القيام بمثل هذه الخطوة، ومن شأن ذلك اعطاء أوروبا فرصة لبلوغ مركز القيادة في الطاقة النظيفة على صعيد عالمي، وهو الموقع الذي دعت هيلاري كلينتون الى منحه الى الولايات المتحدة.

* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky