الطريقة البسيطة لخفض العجز التجاري في الولايات المتحدة

نشر في 10-12-2016
آخر تحديث 10-12-2016 | 00:00
من شأن المقترحات التي طرحها دونالد ترامب خلال حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، في حال تطبيقها، أن تفضي إلى زيادة ملموسة في عجز الميزانية، وسيكون ذلك الشيء الصحيح، غير أنه يعني احتمال زيادة العجز التجاري لا انكماشه في السنوات المقبلة.
لنقل إننا نريد خفض العجز التجاري الأميركي... وهو ما قال الرئيس المنتخب دونالد ترامب إنه يهدف الى القيام به. ولم يكن الوحيد في هذا الصدد.

لقد جادل روبرت سكوت من معهد السياسة الاقتصادية في سنة 2015 في أن العجز الكبير في التجارة كان السبب الرئيسي وراء قرار المصنعين الأميركيين الاستغناء عن أكثر من خمسة ملايين وظيفة منذ عام 2000. وفي سنة 2014 قال استعراض لصحيفة ايكونوميك بيربستكتيف لحالة المصنعين في الولايات المتحدة كتبه مارتن نيل بيلي وباري بوسوورث من مؤسسة بروكنغز إن "عوامل الاقتصاد الكبير التي خلقت العجز التجاري الأميركي" كانت مسؤولة عن العديد من مصاعب ذلك القطاع".

وفي الأسبوع الماضي قال جارد بنستين، وهو مستشار اقتصادي سابق لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن، إن العمل من أجل تحسين وضع العديد من أبناء الطبقة العاملة في الولايات المتحدة "يوجب علينا البدء بخفض حجم عجزنا التجاري الكبير والمتواصل"، وهذا ليس الرأي الذي يحظى بإجماع حتى الآن، والفكرة القياسية الاقتصادية هي أن المزيد من التجارة صورة جيدة والعجز ليس جيداً ولا سيئاً، ولكنني أظن أن من الإنصاف القول بأن تلك المجادلة أصبحت أكثر تقديراً وأهمية في الآونة الأخيرة.

خفض العجز التجاري

وعلى أي حال، لنقل اننا نريد خفض العجز التجاري في الولايات المتحدة وعندئذ يصبح السؤال هو: كيف يمكننا القيام بذلك؟ ولو أنك كنت الرئيس أو عضوا في الكونغرس فإن الطريقة الأكثر بساطة تتمثل في خفض حجم الفجوة بين الانفاق الفدرالي وعوائد الضريبة أي عجز الميزانية.

والسؤال هو: ماذا يعني ذلك؟ إنه ببساطة مجرد عملية حسابية، وليس في وسعك معالجة عجز الحسابات الجارية في الميزانية، وهو اجراء ينطوي على عجز تجاري مع أي عجز أو فائض في تدفقات الدخل العابر للحدود من دون أن يكون لديك فائض في حساب رأس المال من حجم مماثل. وبالنسبة الى دولة فإن الطريقة الأقل تعقيداً تتمثل في القول إنك لا تستطيع شراء كمية من السلع أكثر مما تستطيع بيعها ما لم تعمد الى اقتراض أموال من دول اخرى من أجل تغطية الفارق في هذه العملية.

وتوجد عدة أسئلة محيرة في هذا السياق: هل تعاني الولايات المتحدة عجزاً تجارياً كبيراً لأنها تقترض الكثير من الأموال، أو أنها تقترض الكثير لأنها تعاني عجزاً كبيرا؟ أو أنها تعاني الجانبين معاً بسبب الوضع الخاص للدولار الذي يخلق العجز بسبب كونه العملة الاحتياطية العالمية ما يفضي الى طلب عالمي لا يتوقف على هذه العملة بحيث يضع الولايات المتحدة في فائض محتمل ومستمر في حساب رأس المال؟

وأياً كان الجواب فإن الحقيقة التي لا يمكن انكارها هي أن الاقتراض الأقل والمزيد من التوفير من جانب العائلات والشركات والحكومات في الولايات المتحدة يفضي الى فائض أقل في حساب رأس المال وبالتالي الى عجز أقل في الحساب الجاري. وكما يقول بيلي ووبوسوورث فإن لدى الحكومة القليل من الأدوات التي تمكنها من رفع معدلات التوفير الخاصة بصورة دراماتيكية ومن ثم القيام بخطوات فعالة من أجل خفض العجز في الميزانية الفدرالية.

وهذه الملاحظة ليست جديدة ولا فريدة من نوعها بالنسبة الى الخبراء، وقد خلص مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي في عام 1989 الى أن "أي جهد يهدف الى خفض الحساب الجاري يفترض قيام الكونغرس والحكومة بالتشديد على خفض العجز في الميزانية".

العجزالثنائي

وصحيح أنه منذ الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان الحديث يتكرر حول وجود "عجز ثنائي" والأخطار التي تشكلها تلك الظاهرة غدت الحقيقة أكثر تعقيداً بقدر كبير، ثم في أواخر التسعينيات من القرن الماضي اختفى العجز في الميزانية بصورة قصيرة، ولكن العجز الحالي في الحسابات تفاقم وتضخم مع دخول المستثمرين الى الأسواق الأميركية المجزية. وخلال وبعد الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في سنة 2008 ازداد العجز ولكن الحساب الجاري الحالي انكمش نتيجة تراجع وتوقف العائلات والشركات في الولايات المتحدة عن الاقتراض.

وصحيح أيضاً أن خفض العجز في الميزانية يمكن أن يكون فكرة سيئة لأسباب اقتصادية في الأجل القصير غير أن التعضيد المالي في الأجل القريب يمكن أن يقوض التعافي الاقتصادي، وعلى أي حال من الصعوبة بمكان أن نشهد خلال الأجل الأطول كيف تستطيع الولايات المتحدة أن تحسن بصورة بارزة ميزانها التجاري من دون أن تقوم بمعالجة العجز في الميزانية.

ويعتبر الاقتصاد الأميركي في الوقت الراهن أكثر قوة مما كان عليه في سنة 2014 ولكن يوجد العديد من الأسباب الوجيهة من أجل عدم تقليص العجز في الميزانية، ويتمثل أحد تلك الأسباب في كون العجز في الميزانية وفي الحساب الجاري أقل مما كان الحال عليه قبل عدة سنوات.

وفيما ترتفع معدلات الفائدة فهي لا تزال متدنية بما يكفي من أجل تبرير الانفاق على البنية التحتية الممولة عن طريق الديون وهي الفكرة التي وعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بتنفيذها، وتوجد أيضاً أشياء اخرى يمكن للحكومة الأميركية القيام بها من أجل خفض العجز التجاري، وتشمل إما اقناع الحكومات الأجنبية على تغيير سياساتها – عن طريق فتح الأسواق أمام الصادرات الأميركية أو السماح بارتفاع قيمة عملاتها، أو القيام بعمليات استثمار طويلة الأجل في ميادين التعليم والبحث والبنية التحتية في الولايات المتحدة.

الميزانية الفدرالية

وعلى الرغم من ذلك يمكن أن نلمس في الوقت الراهن النزاع الذي يخيم هنا، ومن المتوقع أن يبدأ العجز في الميزانية الفدرالية بالارتفاع في وقت قريب مع بدء السكان المسنين بالاستفادة من الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، ثم إن المقترحات التي طرحها دونالد ترامب خلال حملة انتخابات الرئاسة الأميركية في حال تطبيقها سوف تفضي الى زيادة ملموسة في ذلك العجز بقدر كبير. وسوف يكون ذلك الشيء الصحيح الذي يتعين القيام به. ولكن هذا يعني أن من المحتمل بشكل كبير أن يزداد العجز التجاري – لا أن ينكمش – في السنوات المقبلة.

من الصعوبة أن نشهد خلال الأجل الأطول تحسين الولايات المتحدة بصورة بارزة ميزانها التجاري من دون علاج عجز الميزانية

الفكرة القياسية الاقتصادية ترى أن المزيد من التجارة يعتبر صورة جيدة أما العجز فليس جيداً ولا سيئاً

الاقتصاد الأميركي حالياً أكثر قوة مما كان عليه عام 2014 ولكن هناك أسباباً وجيهة لعدم تقليص عجز الميزانية
back to top