يستحق سعد الحريري تهنئة كبيرة على إنجازه تشكيل الحكومة اللبنانية. فالشاب الذي رمته الأقدار المأسوية في خضم أرفع المسؤوليات السياسية منذ لحظة اغتيال والده، برهن على قدرات مميزة سمحت باستيلاد حكومة وحدة من رحم داخل صعب وخارج لا يرحم، ويبشِّر بمهارة تسمح له بتحمل أعباء التعايش فيها في القادم من الأيام.

Ad

إنها فرصة للبنان، هكذا قال 'الحريري الثاني'. نعم، لكنها فرصة أيضاً للعرب ليعودوا إلى رعاية الشأن اللبناني من باب الحرص والتعاون لا من خلال التنافس والتنازع على النفوذ في بلد دقيق التوازنات الطائفية والسياسية. وهي محك لقدرة ما تبقى من نظام عربي على سد الثغرات التي تضرب جسده، ليتفرغ لتحصين نفسه إزاء التحديات في الإقليم.

عانى لبنان كثيراً على مدى عقود حروباً داخلية وحروب آخرين على أرضه، ودفع أثماناً لم يدفع بلد عربي آخر نظيراً لها، فحان لهذا البلد أن يرتاح وأن يشعر أبناؤه بأنهم يعيشون في وطن مستقر يستطيعون أن يطمئنوا فيه إلى مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ويساهمون من خلال تركيبته الفريدة في بناء نموذج للعيش المشترك والتسامح والتعدد.

يجب أن ينجح سعد الحريري، ويجب أن تنجح صيغة 'حكومة الوفاق'، ويجب أن تسود روح التسوية في لبنان، من دون الإخلال بالثوابت الأساسية التي تجعل من الدولة دولة، ومن الكيان وطناً مكتمل الأركان، ومن السلطة الشرعية ضماناً وحيداً لكل الناس، ففي ذلك خلاص لبنان من تداعيات الحروب وتعزيز للنظام الديمقراطي وصيانة للحريات التي لا معنى للبنان من دونها على الإطلاق.

حقُّنا على اللبنانيين أن يكفّوا عن التنازع ويبدأوا عهداً جديداً من التعاون يأخذون فيه أمرهم بأيديهم، وحقُّهم علينا أن ندعمهم بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات وأن نحول دون التدخلات في شؤونهم وتحميلهم أكثر مما يستطيعون احتماله.

يستحق سعد الحريري التهنئة، ويستحق لبنان فرصة مديدة للتفرغ للإصلاح والنماء. فرصة له وللعرب على السواء، نريدها دائمة وبلا انقطاع.