قاتل الله الحروب
إن العيش في دوامة الحروب، التي تحاصر أمتي العربية في كل مكان، دفع بي إلى قراءة ملفات حروب سابقة، وأشك أن قادة حروبنا، وصُناع استراتيجيتها، اطلعوا على نتائج تلك الحروب، وما سببته من كوارث للإنسان.• اخترت ملف محاصرة هتلر لمدينة ليننغراد، وركزت اهتمامي على الجانب الاجتماعي، لا الحربي، إذ اطلعت على ما كتبته الصحافية ڤيرا ابنر في البراڤدة، حيث كتبت سلسلة من المقالات تحت عنوان "عشت في ليننغراد تحت الحصار الألماني":"انخفضت درجة الحرارة إلى 30 تحت الصفر، بلغ سمك الجليد في الشوارع عشرة سنتيمترات، وما من بيت في المدينة لم يمت فيه رجل أو امرأة أو طفل، برداً، أو جوعاً. كان الأحياء يسيرون في المدينة كالأشباح، ولم تعد النساء يهتممن بزينتهن، صرنَ كالعيدان (المعصوصة)! العيون فجوات سوداء وسط عظام الوجه الناتئة".
"كانت لي جارة اسمها ايرينا كلوبوڤانا، كانت قبل الحصار ملكة جمال ليننغراد، وكان حبها لزوجها مضرب الأمثال في كل روسيا. زرتها فوجدتها شبحاً مُشعث الشعر كأنها عجوز تجاوزت الستين، ووجدتها تأكل ورق الحائط...! - ولم لا؟!... أليس الورق من لحاء الشجر؟! المهم أن تتحرك جدران معدتي، بدلاً من جفافها.- وكيف هي أحوال زوجك؟- زوجي؟... هجرني، ويعيش الآن مع إحدى صديقاتي كانت جارة لنا. - هكذا؟!... بعد كل ذلك الحب بينكما! - لا لوم عليه، فهي أخفت بطاقة التموين الخاصة بأولادها وزوجها الذين ماتوا، فما كان من زوجي إلا أن يسعى للحفاظ على حياته معها، ولم يترك لي بطاقتي سامحه الله!".• كانت بطاقة التموين هي الدرة الثمينة، إنها أغلى ممتلكات الإنسان في مدينة ليننغراد. كان الجيش يحارب الأسواق السوداء التي تُعقد تحت خرائب القصف الألماني لبيع بطاقات التموين! لقد رأيت سيدة كانت ثرية جداً تعرض فراءها الثمين نظير بطاقة تموين...! وتجارة بطاقات التموين ازدهرت عند الذين يموت أفراد أسرهم ويدفنونهم بسرية حتى يتم الاحتفاظ ببطاقاتهم...!• غدا الموت خبز الأهالي اليومي، ولم يعد هناك من يحمل الجثث إلى المدافن، فهي تُكدس في الحفر كما تُكدس القاذورات... شهدت رجلاً يحمل جثة زوجته، وما ان ألقى بها في الحفرة حتى سقط فوقها ميتا!* * *• أكتب هذا المقال بدموع تترقرق على أهلنا في سورية، واليمن، وليبيا، وغيرها من مناطق التفجيرات التي تحدث يومياً هنا وهناك... الكارثة أن هتلر لم يكن شقيقاً للروس، إنما نحن يقتل بعضنا بعضا، ونحن أشقاء وتجمعنا عقيدة واحدة...!!• والسؤال المحير الذي لا أملك له جواباً: إلى متى نستمر على هذه الحال؟