«ويبقى الحب هو العنوان» ديوانك الجديد الصادر حديثاً، فهل ما زلت تؤمنين بالحب في زمن رديء، البقاء فيه لمن يكره أكثر؟
الحب يا صديقتي هو الحياة بكل مندرجاتها بل هو الحديقة الملأى بالأزاهير التي ترش طيبها وعبيرها فوق المطارح كلها، والحب هو أكبر عنوان للحياة المجللة بالعافية، بحيث أنه ليس حكراً على رجل وامراة عرفا الحب الذي أصبح غزلاً على ألسنة الشعراء... فللحب في قاموس الحياة عناوين مختلفة تتدرج من حب الوالدين إلى الحبيب الزوج، ومن ثم الأولاد والعائلة والوطن والأرض والناس أجمعين... الحب يا عزيزتي أبجديتنا التي نتلقفها منذ بداية النطق... لذا أنا أؤمن بالحب النقي الشفيف الذي لا تسوره الغايات الشخصية والمنافع الخاصة، وما زلت على عهدي مع الحب... لأن الحب الحقيقي لا يحتمل سوى الصدق والوفاء... بكلمة مختصرة هو راية السلام التي ترفرف فوق مسارات العمر... لهذا يبقى الحب أجمل العناوين، رغم ما نحن عليه من عثرات زمنية ومكانية أحياناً... فالزمن الرديء لا يمكن تصحيح مساراته سوى بالحب... ولدينا المثل في لبنان وما حدث أخيراً في المسار السياسي أكبر دليل... فحين رمى أهل السياسية خلافاتهم خلف ظهورهم وامتشقوا الحب سلاحاً فاعلاً... تمت الانتخابات الرئاسية وها هو الحب يرتفع عنواناً لجميع أبناء الوطن.الحب الذي يتمحور حوله الديوان يشمل الإنسان والوطن والأرض، فهل يمكن القول إنه خلاصة تجاربك مع القضايا الإنسانية والوطنية التي عايشتها وتفاعلت معها؟
أكيد... فالشاعر ابن بيئته، يتفاعل مع الأحداث كافة السعيدة منها والمربكة... فيترجم أحاسيسه ومعاناته على الورق، بقصيدة تجابه الواقع أحياناً بقوة وجرأة وأحياناً بشكل مرمز، لأن الشاعر مرآة الحياة العامة بكل ما فيها من قضايا إنسانية ووطنية واجتماعية... وهنا تتراءى إمكانية الشاعر في التقاط الحدث العام وتصويره بدقة الخبير العليم، بحرية لا يمكن أن تكون هدامة أو مسيئة، بقدر ما تكون هادفة تضع الإصبع على الجرح، علَّ وعسى من يقرأ يعي ما المطلوب. هكذا أنا في قصائدي، التي هي خلاصة واقع أعيشه ضمن المجموعة التي تحيط بي داخل وطني وبيتي ومكان عملي... فأنا أتفاعل معهم وأعيش معاناتهم التي هي معاناتي حين المسألة تخص الوطن، أو الحبيب، أو العائلة. في ما مضى كان السلاطين والخلفاء يجالسون الشعراء والمفكرين والأدباء بشكل دائم ومستمر، حيث كان الحاكم يعتبرهم عيونه وآذانه التي تلتقط الأمور الحياتية فترفعها قصيدة تحاكي مجريات الأحداث الواقعة بين الناس. والعصور العربية الأدبية والتاريخية حافلة بما يثبت عظمة ما تركه شعراء العصور الماضية من تراث فكري وحضاري ما زال حياً لتاريخه .صور جمالية
تسيطر على الديوان أجواء بين الرومانسية والغزل فإلى أي مدى هي مرآة تعكس ذاتك الشاعرة والإنسانة في آن؟
بتنا في عصر التكنولوجيا، والصورة الناطقة، والعولمة التي حاصرتنا بخصوصياتها البعيدة كل البعد عن خصوصياتنا. قضت هذه العولمة على الكلمة الشعرية الرومانسية، فبات الهبوط سمة العصر الذي نعيشه... لهذا من واجب الشاعر الشاعر أن يكون المرآة الحاضنة للتطور مع الحفاظ على الحالة الشعرية في العبارة المنمقة والمعبرة الخالية من الابتذال، بحيث تظهر للمتلقي الصور الجمالية التي تدعم الحالة الرومانسية التي نحتاج إليها لبناء عواطفنا التي سبحت على أمواج العولمة المادية. لذا كنت أنا ذاتي في هذا الديوان... المرأة الشرقية العاطفية التي تدرك معنى الحب الصافي النظيف بحسّ إنساني مؤطر ضمن ثقافة تحتضن المشاعر الإنسانية الموصولة بالعلاقات المجتمعية التي لا تخدش الحياء ولا تتخطى القيم والتقاليد.تبشرين بالحب في زمن المادية وثقافة مواقع التواصل الاجتماعي التي تحصر العلاقات بين الناس بالـ «فيسبوك» و توتير»، فهل من يسمع برأيك لا سيما من جيل الشباب؟
تقصدت أن أكون قريبة من قلوب الناس ومن التواصل معهم عبر دغدغة عواطفهم التي فقدت بفضل العولمة ووسائل التكنولوجيا الحديثة. فكما تقولين أصبحنا في عصر المادية والآلة التي تتحكم بجلساتنا وأحاديثنا... حيث بات الناس يتخاطبون عبر «فيسبوك» و«تويتر»... وشيئاً فشيئاً أصبحت الجلسات العائلية والاجتماعية، التي عودتنا على روعة نكهتها الخاصة، معدومة... لهذا تم قلب الحالة التي تؤطر عاداتنا وقيمنا في قوالب ليست لنا. لذا لا بد من الاهتمام بجيل الشباب. صدقيني أنهم يتذوقون الشعر السلس الواضح الذي لا يحتمل الترميز والسوريالية والتعقيد في إيصال المضمون الشعري المعبر. لذا كانت حفلة توقيع ديواني حافلة بحشد من الشابات والشباب الذين لمست الفرحة التي جذبتهم إلى عنوان الديوان وبعدها إلى مضمونه... عبر الاتصالات الهاتفية المكثفة التي تلقيتها في ما بعد، إضافة إلى الاهتمام الإعلامي المرئي والمسموع والمقروء الذي ما زال يلاحقني لتاريخه.جمالية وروحانية
بقدر ما تزخر قصائد الديوان بالحب تلوح بالغياب والرحيل، فهل عيش الشاعر الحب والشعور بالرحيل يحثّه على الإبداع أم ثمة حالة نفسية ما وراء ذلك؟
الديوان مقسم إلى ثلاثة فصول: الأول تحت عنوان «لكم» ... كي يبقى الحب هو العنوان». توجهت فيه إلى الأم، ثم قصيدة مطولة عن الأم العجوز التي وضعها أبناؤها في مأوى العجزة وأهملوها... هنا تجلت المعاناة التي جعلتني أتأثر وأدمع... فكان النتاج الشعري الذي يواكب الحدث، وفي معظم الأحيان، يتأتى من حالة نفسية يقع فيها الشاعر أو الكاتب حيث الحزن ينتج حالة جمالية وروحانية معبرة كما الفرح.هل ثمة فرق بين الحب تجاه الآخر وحب الوطن؟
كلاهما حب وكلاهما مختلف عن الآخر... حب الآخر هو العشق والوفاء وحب الوطن هو الوجع الدائم والخوف المستمر .يتصدّر الغلاف خط عربي فهل تحرصين بذلك على التذكير بجمالية هذا الخط وأناقته؟
أنا بطبعي ميالة بشكل ثابت إلى كل ما هو عربي أصيل وحضاري في الوقت ذاته، فنحن لو نظرنا إلى الخط العربي لوجدنا أن ثمة مدارس عدة تصنف أشكاله الخط العربي... وبما أن الفن والشعر لا ينفصلان... والخط العربي أحد الفنون العربية الحضارية، قررت تزيين عنوان ديواني بجمالية الخط العربي العريق وأناقته.تكريم مبدعين
من خلال ترؤسك «ديوان أهل القلم» و« ندوة الإبداع» كرمت المثقفين وأهل الفكر، وكوكبة من المبدعين اللبنانيين المنتشرين في العالم. كيف استطعت القيام بهذه المبادرات المنوطة بالدولة وربطت فيها بين لبنان المقيم وبين لبنان المغترب؟
حين نملك الطموح والشجاعة والإرادة والإقدام لا يمكن للعوائق أن تطمس الهدف المرتجى. أنا إنسانة طموحة وأحب وطني، وأفتخر بطاقاته المبدعة، لذا وجدت أنه من الواجب الوطني عليّ تشكيل « ديوان أهل القلم» الذي أخذ على عاتقه تسليط الضوء على الطاقات اللبنانية المبدعة والمتميزة في عالم الانتشار، واستطعنا اختراق وكالة الفضاء الأميركية «الناسا» حين دعونا ثلاثة من علمائها في فترات متقطعة لتكريمهم في لبنان، وهم من أصول لبنانية، والأهم دعوة البروفسور شارل العشي الذي أنزل أول مركبة على سطح المريخ ويومها زيّنا بطاقة الدعوة بعبارة: «هبوط العقل اللبناني على سطح المريخ»... بعدها أسست مع مجموعة من الأدباء والشعراء « ندوة الإبداع» لأجل الإطلالة على كل نتاج جديد في عالم الأدب والشعر لبنانياً وعربياً... نجحنا... نعم... وبامتياز... وفرضنا وجودنا على كل الفئات السياسية داخل الوطن لأننا لم ننتمِ إلى حزب معين سوى إلى الوطن الذي نحمل هويته. إضافة إلى لقاء الأديبات العربيات الذي انطلق من دمشق العام 2008 ومن ثم عقدته في لبنان باسم « ديوان أهل القلم» وبرعاية اللبنانية الأولى السابقة وفاء سليمان في العام 2009 حيث تم اختياري من الأديبات الضيفات المديرة التنفيذية للقاء، لذا نظمت اللقاء الثالث في قطر والرابع في البحرين وها نحن بانتظار الدعوة من دولة الكويت الشقيق.قدمت الكثير من أهل الثقافة في الندوات التي نظمتها للحديث عن جديدهم وتكريمهم، فهل يمكن القول إنك وثقت الحركة الثقافية في لبنان في السنوات الأخيرة؟
أنا لا أدعي أنني الناشطة الثقافية الوحيدة في لبنان. يعجّ لبنان بالأدباء والشعراء والموسيقيين والرسامين والمثقفين ولكل دوره ونتاجه. يمكن أن يكون ما أقوم به لافتاً نظراً إلى الحشود التي لا تضيع فرصة حضور مهرجاناتنا وندواتنا، والسبب طبعاً حسن التنظيم ودقة الاختيار لتقديم الأجود والأحسن، إضافة إلى التقيّد الدقيق بالوقت الذي يحدّد على بطاقة الدعوة، ونلتزم به. كذلك نجمع عملية توثيق أعمالنا في كتب نصدرها تباعاً... فأنا أؤمن بعلم التوثيق، لذا أصدرت لتاريخه ثلاثة كتب توثيقية عن «ديوان أهل القلم» و»ندوة الإبداع» كي تكون بمتناول أكبر شريحة من الناس داخل لبنان وخارجه. يصنف هذا الفعل ضمن جودة العمل حيث من الضروري أن يبقى ما نقوم به من أنشطة في مجال الفكر والأدب والثقافة والإبداع بمتناول الجميع، لأن الثقافة هي مرآة المجتمع على مر العصور.