«داعش» يسيطر على تدمر... وعدّ عكسي لنهاية معركة حلب

• أقوى هجوم للتنظيم في سورية والعراق منذ أشهر يربك موسكو
• كيري للمعارضة: إلى التسوية

نشر في 12-12-2016
آخر تحديث 12-12-2016 | 00:05
سوريون يتكدسون أمام حاجز لقوات النظام للخروج من حلب الشرقية أمس      (رويترز)
سوريون يتكدسون أمام حاجز لقوات النظام للخروج من حلب الشرقية أمس (رويترز)
مع انطلاق العد العكسي لسقوط مدينة حلب بالكامل في يد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أربك تنظيم "داعش" موسكو ودمشق، بشنّه أعنف هجوم في سورية والعراق منذ أشهر. ورغم وضع الطيران الروسي الحربي ثقله في المعركة نجح التنظيم في السيطرة على مدينة تدمر الأثرية في بادية الشام.
واصل الجيش السوري تقدمه في شرق حلب، التي باتت على وشك السقوط كاملة بيده، بالتزامن مع فرار آلاف المدنيين من مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، لكنه مني بخسارة أمام تنظيم "داعش" الذي تمكن مجدداً أمس، من السيطرة على مدينة تدمر الأثرية.

وتمكن آلاف المقاتلين من تنظيم "داعش" من السيطرة على كامل مدينة تدمر، وقتلوا أكثر من 100 من القوات الموالية النظام السوري.

وكانت وسائل إعلام روسية تحدثت عن شن موسكو أكثر من 60 غارة على تدمر. وقدرت وكالة أنباء "سبوتنيك" الروسية عدد مقاتلي "داعش" في المدينة بـ4 آلاف.

من ناحيته، انسحب الجيش السوري من المدينة تحت ضربات التنظيم الإرهابي باتجاه الريف الجنوبي.

ونقلت وكالة "أعماق" المرتبطة بـ"داعش" المتطرف، أن "قوات الدولة الإسلامية تحكم سيطرتها على كامل مدينة تدمر".

وشنّ التنظيم المتطرف أمس، هجوماً جديداً على تدمر، بعد ساعات على طرده منها إثر غارات روسية كثيفة.

وكان التنظيم، إثر سلسلة هجمات أطلقها الخميس الماضي في ريف حمص الشرقي، تمكن مساء السبت من دخول مدينة تدمر والسيطرة عليها لوقت قصير، بعد ثمانية أشهر على طرده منها المرة الأولى.

لكن الغارات الروسية الكثيفة أجبرت "الجهاديين" فجر أمس على الانسحاب، وفق ما أكدت وزارة الدفاع الروسية.

لكن تنظيم "داعش" بدا عازماً على التقدم مجدداً داخل المدينة الأثرية مسبباً أكبر إرباك للحلف العسكري الروسي ـ السوري.

وفي مدينة حلب، حقق الجيش السوري تقدماً جديداً على حساب الفصائل المعارضة بسيطرته على حارة الأصيلة قرب المدينة القديمة، فضلاً عن أجزاء واسعة من حي المعادي، وفق ما أفاد مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبدالرحمن.

ومنذ منتصف نوفمبر، تمكنت قوات النظام إثر هجوم لها من إحراز تقدم سريع داخل الأحياء الشرقية في حلب، وباتت تسيطر على أكثر من 85 في المئة من مساحة هذه الأحياء، التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ عام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين.

ويتركز وجود الفصائل المعارضة حالياً في الأحياء الجنوبية الشرقية من مدينة حلب وحيث تتواصل الاشتباكات العنيفة على محاور عدة، وسط قصف متجدد لقوات النظام على آخر الأحياء، التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، وفق المرصد السوري.

وردت الفصائل المعارضة بإطلاق القذائف الصاروخية طوال ليل السبت ـ الأحد وحتى الصباح على الأحياء الغربية، الواقعة تحت سيطرة قوات النظام.

وأفاد مراسل فرانس برس في الأحياء الغربية بسماعه طوال الليل دوي اشتباكات عنيفة وانفجارات اهتزت المباني على وقعها.

ودفع هجوم قوات النظام منذ حوالي شهر 120 ألف شخص إلى الفرار من الأحياء الشرقية، وفق المرصد السوري. وتوجه معظمهم إلى أحياء تحت سيطرة قوات النظام. وشهد منتصف ليل السبت الأحد جولة جديدة من النزوح.

وأشار عبدالرحمن إلى أن النازحين الجدد توجهوا إلى الأحياء الغربية أو تلك التي سيطرت عليها قوات النظام أخيراً في شمال ووسط مدينة حلب.

وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" بدورها، الأحد بـ"خروج أربعة آلاف مدني (...) من القسم الجنوبي من أحياء مدينة حلب الشرقية"، مشيرة إلى أن حركة النزوح مستمرة حيث يتم نقل المدنيين

الفارين بواسطة حافلات إلى "مراكز إقامة مزودة بجميع المواد والاحتياجات الأساسية اللازمة".

ونقل أحد السكان في الأحياء الجنوبية الشرقية لوكالة فرانس برس مشاهدته بعد منتصف الليل لحشود من السكان يفرون باتجاه الأحياء الغربية. ووصف ما يحصل بـ"النزوح الهائل".

من جهته، توقع وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أمس، أن يسيطر الجيش السوري على مدينة حلب. وقال "يبدو الآن للأسف ان حلب ستسقط".

وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إن "العودة إلى طاولة المفاوضات هو أفضل ما يمكنهم القيام به" في إشارة إلى المعارضة، مضيفاً "الأرجح أنهم في صدد خسارة حلب. ما زالوا قادرين على الحصول على تسوية سياسية تشرف معركتهم وكل ما استثمروا من أجله".

سقوط حلب يشكل تحولاً جذرياً في مسار الحرب

ستشكل سيطرة قوات النظام السوري على مدينة حلب تحولا جذريا في مسار الحرب، إذ تضع دمشق على طريق تحقيق هدفها باستعادة كل البلاد فيما سيصعب على الفصائل المعارضة تعويض خسائرها، وفق محللين.

ويقول الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن للأبحاث فابريس بالانش: "حلب هي المنعطف الحقيقي للحرب، إنها بمنزلة ستالينغراد"، في إشارة الى المدينة الروسية التي قاومت 6 أشهر حصار القوات الألمانية، فمنيت الأخيرة بخسارة فادحة غيرت مسار الحرب العالمية الثانية.

ويرى بالانش أن الرئيس السوري بشار الأسد بحاجة الى هذا الانتصار، لأنه "كان نصف رئيس من دون حلب".

ويوضح: "كان من الصعب عليه تولي زمام الأمور في سورية مستقبلا من دون ثاني مدنها، وبالتالي بإمكانه من خلال هذا الانتصار أن يقدم نفسه على أنه رئيس سورية كلها".

أما الفصائل المعارضة فإنها ستخسر الكثير بسقوط حلب، بل إنها "ستفقد شرعيتها"، وفق ما يقول بالانش، الذي رأى أنه "قد انتهت أسطورة الفصائل المعارضة المعتدلة في حلب، القادرة على تقديم بديل سياسي وعسكري".

ويرى كبير الباحثين في مركز كارنيغي للشرق الأوسط يزيد الصايغ أن السيطرة على مدينة حلب "ستشكل إنجازا كبيرا للنظام، وقد حقق مبتغاه فعليا، حتى وإن لم يسيطر على كامل المدينة بسرعة".

ويضيف: "حلب لم تعد معقل المعارضة"، وخاصة إذا بدأت قوات النظام بإحكام قبضتها على المدينة ومنع قطع الطريق الدولية المؤدية اليها.

وفي حال استعاد النظام حلب كاملة، سيكون أمسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة، بعد فشل ثلاث جولات محادثات غير مباشرة السنة الحالية بإشراف الامم المتحدة.

ويقول الصايغ إن السيطرة على حلب "مهمة جدا أيضا على الصعيد السياسي"، فضلا عن أنها "ستكسر ظهر المعارضة المسلحة (...)، ويصبح من الممكن أخيرا تجاوز التفكير بإمكانية الإطاحة بالنظام عسكريا".

وسيقتصر وجود فصائل المعارضة الى جانب محافظة إدلب (شمال غرب)، على بعض المناطق في درعا (جنوب) التي كانت مهد الانتفاضة ضد النظام وفي ريف دمشق، حيث تراجعت الفصائل أيضا مع خسارة اثنين من معاقلها، هما داريا ومعضمية الشام.

وفي حال استعاد كافة مدينة حلب، يصبح بإمكان النظام التباهي بسيطرته على المدن الثلاث الرئيسة دمشق وحمص وحلب، فضلا عن الجزء الأكبر من "سورية المفيدة"، أي غرب البلاد. أما الجزء الأكبر مما تبقى فهو عبارة عن مناطق صحراوية.

ويرى مدير أبحاث الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس ان "للسيطرة على حلب تأثير كرة الثلج".

ويوضح: "فور اقتناع المجموعات المسلحة بأن أيام التمرد باتت معدودة، فإنها ستصبح مستعدة للتفاوض على الاستسلام".

ومن شأن السيطرة على حلب أن تفسح المجال أمام 30 الف مقاتل من قوات النظام لشن عمليات عسكرية جديدة على جبهات أخرى، بحسب بالانش.

وبفقدان المعارضة حلب المدينة الرمز التي سمحت سيطرتها على بعض أحيائها عام 2012 بأن تطرح نفسها كبديل لقوات النظام.

ويضيف الصايغ أن السلطات السورية، ستثبت أنها "في وضع يمكنها من إعادة فتح الطريق الذي يربط الحدود الأردنية (جنوبا) حتى الحدود التركية تقريبا (شمالا)".

كما يعتبر بالانش أن عمليات "الاستسلام (في صفوف المسلحين) ستتضاعف حول أنحاء دمشق، خصوصا في الغوطة"، معقل المعارضة شرق العاصمة، موضحا أن دوما، البلدة الرئيسة في المنطقة، "لن تعاني المصير ذاته لحلب الشرقية"، لكونها دمرت تماما من جراء القصف.

ويبقى أمام قوات النظام خياران اثنان، وفق ما يرى المحللون، التقدم شرقا أي باتجاه مدينتي الباب والرقة، حيث تنظيم "داعش"، أو غربا باتجاه محافظة إدلب.

back to top