"امنحني 9 كلمات"، هي التجربة الكتابية الثانية لمجموعة من الكُتاب، اشتركوا في كتابة نصوص مختلفة، تدور حول 9 كلمات، كل منهم كتب قصة أو شعرا أو مقالة أو نصا مفتوحا.

فكرة الكتابة بهذا الشكل جديدة وظريفة، وفيها تنوع وتذوق أساليب لكُتاب مختلفة أساليبهم، وهي تشبه طريقة الكتابات المتنوعة في المجلات الأدبية المتخصصة، لكنها تختلف عنها، لوجودها في كتاب يحمل مضامين نصوص تتولد من 9 كلمات محددة، جميعهم يكتبون نصوصا منحدرة منها.

Ad

الكلمات التسع، هي: الرحلة، السفر، الوطن، العودة، الوقت، الغربة، الحنين، التأقلم، والاستقرار.

والكُتاب، وفق ترتيب الأبجدية، هم: أريج اليحيى، حسن الفرطوسي، حنان عبدالقادر، سوزان خواتمي، فتحية الحداد، نجوى الروح الهمامي، هدى الشوا، وشريف صالح.

الجميل في التجربة ليس فقط اختلاف أساليب كُتابها وتنوعها، بل أيضا اختلاف جنسياتهم، فكل واحد منهم آتٍ من بلد مختلف، لكنهم اجتمعوا في الكويت، أظنهم مقيمين فيها، أنا لا أعرف منهم إلا الصديقة فتحية الحداد، وهي كويتية، وهدى الشوا فلسطينية، وحنان عبدالقادر مصرية، وسوزان خواتمي سورية، والباقون أول مرة أقرأ وأسمع بهم، وهم: أريج اليحيى - أردنية، وحسن الفرطوسي - عراقي، ونجوى الهمامي - تونسية.

اختلاف جنسياتهم وهوياتهم منح النصوص نكهة مختلفة لأحاسيس وذاكرات متعددة، كوكتيل من المشاعر ذات روح خاصة بثقافة منبعهم وطبيعة بلادهم، وهو ما أحسسته وشعرت به مباشرة من نصوصهم.

ولأبدأ بفتحية الحداد، المختلفة في طريقة زاوية الالتقاط، ليس فقط في نصوصها في هذا الكتاب، بل بشكل عام، وهو ما يثير استغرابي، فكل ما يلفت ويثير اهتمامها عادة لا يلتفت إليه أحد، لها طريقة تفكير وتأمل وتحليل لا تشبه أحدا، الأمر الذي انعكس على نصوصها، وجعلها لا تتشابه مع الآخرين في صيد الفكرة واللقطة وتحليلها، مثال على ذلك نصها "التأقلم... لعبة حلوة"، لفت نظرها إعلان عن موصلات تيار الكهرباء واختلاف أشكال تصاميمها، هي رمز للتأقلم والتكيف الذي هو هدف دول الاتحاد الأوروبي، رأت فيها فكرة صالحة لتطبيقها في مجال الإعداد الفني الأدبي، وخاصة المسرحي، وهذه فقرة من النص: "دراسة بعض التجارب المسرحية يمكن أيضا تمثيلها بصورة موصلات التيار الكهربائي التي تحمل شكلين متضامنين، يؤدي أحدهما إلى الآخر".

نجوى الروح الهمامي اسم جميل وغريب لباحثة تونسية تميزت كتابتها بلغة جميلة وفكر تأملي عميق، يبدو أنه ورد من اسمها، أليس لكل واحد منا نصيب من اسمه؟

نصوصها كلها تميزت بهذا العمق الآتي من روح، متأملة للدنيا وما فيها، وهذه فقرة من نص ساعة زمن: "كلها منفردة أو مجتمعة تهب الوقت، نتبارى في ارتدائها، تباهيا وضرورة وخوفا. الوقت يُباع بأغلى الأثمان، نعلقه على الجدران، ونقيد به معاصمنا، بيد أنه يتسرب من بين أصابعنا كالرمل. وحدها ساعة الرمل أصدق الساعات".

"تلوح كباقي الوشم"، قصة رائعة لهدى الشوا، فيها وصف وتصوير للمكان بدقة شديدة متسقة مع طبيعة وروح النص بكل منمنمات التفاصيل الصغيرة التي عمقت وأثرت المشهد: "دلف إلى الخيمة ووجد المرأة العجوز كما عهدها، جالسة أمام نول ممدود في وسط الخيمة ترمقه من شقي عينين مطبقتين، كأنهما محاكتان بخيط قدته من نسيج نولها الخشن".

سوزان خواتمي السورية لها أكثر من نص جميل، مثل رحلة العاشق الذكي، وشجرة الكينيا، و"تحليق"، قصة قصيرة مفعمة بالمشاعر الإنسانية، مثل متابعة الفتاة المعوقة لرحلات الناس حول العالم، وتخيلها لسفرها لمدن مثلهم، وهذه فقرة من "تحليق": "في الطابق الرابع من مبنى يشغل زاوية بين تقاطع شارعين فرعيين مزدحمين تقع نافذة مغلقة، كان بإمكان العابرين سماع خفق أجنحة نورس وحيد".

حسن الفرطوسي أيضا تميزت نصوصه بالعمق والاختلاف في التجربة الحياتية، انعكس على قصة "أحلام لا يعول عليها" و"طيور العطار وأسماك إنجيلا ميركل".

حنان عبدالقادر المصرية لها أكثر من نص يلفت الاهتمام، مثل قصة "بنت ناس" و"شرنقة".

هذه تجربة كتابة نصوص متعاونة، لتعميق وحفر معاني كلمات نمر عليها دون أن ندرك قيمة تأثيرها وفعلها الوجودي في حياتنا، نمر عليها مرور الكرام، رغم حيويتها وحركتها وتفاعلها وتوليدها لحكايات وقصص ومعان لا نهائية.

كتاب "امنحني 9 كلمات" سلط الضوء عليها، وعلى دورها في الخلق الكتابي، ما سيساعد ويعلم فن توليد المعنى من الكلمة.