الاتفاق على خفض إنتاج النفط... لن يستمر طويلاً
أخيراً، وبعد سنوات من المناورات والتجاذبات العقيمة، توصلت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" إلى اتفاق يقضي بخفض إنتاج النفط، ما أفضى إلى ارتفاع فوري في أسعار النفط، وسط ترقب حذر ومقلق في أسواق الطاقة العالمية.لكن توقعات المحللين تقول، إن هذه الحصيلة قد لا تستمر طويلاً على الرغم من أنها خلقت موجة من الارتياح والتفاؤل في الدول المنتجة للنفط. وعقب الإعلان عن الاتفاق رأت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها، أن أسعار النفط لا تزال عند أقل من نصف المستويات، التي كانت عليها قبل الانهيار الأخير، الذي أفضى إلى موجة من التقلبات، علاوة على أن الطريق إلى الإجماع كان محفوفاً بتعقيدات مردها إلى تباين مواقف السعودية وإيران، خصوصاً في ما يتعلق بالجوانب السياسية والاقتصادية.
وعندما يتعلق الأمر بالنفط، كانت الرياض تكافح من أجل الحفاظ على حصتها السوقية، في حين جهدت إيران لحماية عودتها الحديثة العهد كوسيط قوي في منظمة "أوبك"، وهو الدور الذي فقدته خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة العقوبات الغربية الناجمة عن برنامجها النووي المثير للجدل.وتوصلت الدول الأعضاء إلى اتفاق يقضي بتجاوز الخلافات وخفض الإنتاج بحوالي 4.5 في المئة في السنة المقبلة، أو ما يعادل 1.2 مليون برميل يومياً، وهو أول خفض يتحقق خلال ثمانية أعوام.
ارتفاع في المستقبل
وتتوقع الصحيفة في تقريرها أن الخفض سوف يفضي إلى ارتفاع في الأسعار في المستقبل القريب، وشهدت الأسواق بداية ذلك المسار، عندما قاربت 50 دولاراً للبرميل، وهي حصيلة يمكن أن تنقذ الاقتصاد المتردي في البعض من الدول، التي شهد اقتصادها موجة من التراجع مثل نيجيريا وفنزويلا، إضافة إلى تأثيراتها الإيجابية على شركات الطاقة الصغيرة في الولايات المتحدة، التي تضررت نتيجة ضعف الأسعار.ويقول وزير النفط القطري، إن هذا الاتفاق "يظهر وجود ثقل لمنظمة "أوبك" وسوف يستمر هذا الثقل في المستقبل". لكن على الرغم من ذلك، قد يبدأ التفاؤل في السوق بالتراجع عما قريب، بحسب تقرير النيويورك تايمز.ويتوقف الاتفاق الذي سوف يستمر ستة أشهر اعتباراً من شهر يناير المقبل على تعاون الدول من خارج منظمة "أوبك" وخصوصاً روسيا. وفيما وافقت موسكو على المشاركة، فإن مواقفها لا يمكن التنبؤ بها كما أن قبولها بخفض إنتاجها بحوالي 300000 برميل يومياً يشكل كمية طفيفة في إنتاجها الإجمالي.ثم إنه على الرغم من إعلان المملكة العربية السعودية وإيران عن دعمهما لاتفاق خفض الإنتاج، فإن شركاتهما الوطنية كانت تعمل على تحقيق اتفاقات وصفقات في آسيا، وعلى ملء الخزانات والناقلات في أسرع وقت ممكن. وارتفع الإنتاج السعودي من النفط إلى أكثر من 10 ملايين برميل في اليوم، فيما أفضى الخفض في الاستهلاك المحلي إلى توفير كميات إضافية لأغراض التصدير. أما إيران، التي تخلصت من العقوبات الاقتصادية فقد انطلقت في حملة جلية لبيع النفط في الهند، كما بدأت الإنتاج في حقول نفط وغاز جديدة.ويقول التقرير، إن الدول الأخرى حذت حذو إيران، وعمدت إلى زيادة إنتاجها النفطي في الأشهر القليلة الماضية، وأفضى ذلك السباق على الإنتاج إلى وضع العديد من كبار الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" عند حافة طاقتها الإنتاجية.وتقلل حدة المنافسة من جدوى الخطة الجديدة، التي أقرتها منظمة "أوبك" مما يعني أن زيادة الأسعار قد تكون مؤقتة، ثم إن نسبة الخفض تعتبر محدودة جداً عندما تقارن بإنتاج يصل إلى 96 مليون برميل يومياً في أسواق متخمة في الأساس. ثم إن ارتفاع سعر النفط سوف يدفع شركات الزيت الصخري الأميركية إلى حفر وإتمام المزيد من الآبار، مما يضيف المزيد من الإمداد إلى الأسواق العالمية، وإذا كان التاريخ يشكل دليلاً، فإنه حتى الاتفاق المتواضع يمكن أن ينتهك عن طريق الغش والخداع والالتفاف على نصوصه.ويقول جيم كرين، وهو محلل شؤون الطاقة في الشرق الأوسط لدى جامعة رايس: "إذا أفضى الارتفاع في أسعار النفط إلى زيادة في الإنتاج، فإن الأسعار لن تحافظ على ارتفاعها لفترة طويلة، وقد لا تمر فترة طويلة، قبل أن نشهد عودة إلى نقطة البداية التي كنا فيها".