الشاعرة والروائية باسكال صوما: أكتب في أي مكان تقذفني الريح إليه

• باكورتها «أسبوع في أمعاء المدينة» فازت بجائزة وزارة الثقافة للناشئين في لبنان

نشر في 13-12-2016
آخر تحديث 13-12-2016 | 00:04
بعد ديوانين شعريين «تفاصيل» و«فاصلة»، خاضت باسكال صوما مجال الرواية، فحازت باكورتها «أسبوع في أمعاء المدينة» جائزة وزارة الثقافة للرواية عن فئة الناشئين (2016).
في شعرها كما في روايتها تبدو باسكال صوما مشاغبة تحرك كل ما يحيط بها لا لشيء إنما لتكتشف وتحاول التغيير، رابطة الماضي بالحاضر، ومتطلعة نحو المستقبل ببعض قلق موشح بخيوط رومانسية مستلة من هفواتها الصغيرة والجميلة، ومن خجل يجعل القلم يخط صدق المشاعر بعيداً عن أي زيف أو تمويه.
لا تستقي باسكال صوما أفكارها مما هو خارج المألوف وأبعد من الكون، بل تبحث في الواقع وتغوص فيه. من هنا كانت روايتها «أسبوع في أمعاء المدينة» التي تسجل فيها حركة المدينة بحلوها ومرها، وكيف تتمازج الأشياء والعناصر معاً في لحظة ما من عمر المدينة، كذلك تتـأمل في دورة الزمان من الولادة إلى البلوغ، إلى الحب وتفاعل المشاعر، وإلى الموت الذي هو في نتاجها الأدبي ليس نهاية بل ولادة جديدة في حياة جديدة في مكان ما، فيما يلي حوار معها:
روايتك الأولى «أسبوع في أمعاء المدينة»، إلامَ يرمز العنوان؟

نعيش كلّنا في أمعاء المدينة، تبتلعنا المدن التي ننزح إليها أو نعيش فيها طوال حياتنا. ثمة كثير من الأدب الذي كتب عن المدن والأرياف والغربة، لكنني حاولت أن أدخل إلى أمعاء المدينة وأكتب هناك. وهكذا بدأت ببناء هذا المكان كتابياً، بحيث يحسّ القارئ بأنه في مغامرة اكتشاف غير مألوفة لهذا المكان، وتقاليده، وعاداته، وناسه، ومأساته، ومعالمه... أمعاء المدينة هو المكان الذي تسير فيه حياتنا الداخلية، وإن كنّا لا ندري. هو مكان خاص ومختلف، شخصياته غريبة وتحمل مشاعر خاصة بها. أما الأحداث فغير متوقعة، كذلك الأمكنة والشخصيات غير البشرية التي تؤدي أدواراً مهمة في الرواية.

ماذا تعني لك المدينة وأي مدينة تصفين في روايتك؟

المدينة هي كل ما أنا عليه اليوم. هي أصدقائي ومأساتي وخيباتي وغرفتي الفارغة، وطعامي البارد، والوجبات السريعة، والعلاقات الجاهزة والناس المتعبون، والوجوه المبطّنة، والشوارع المزدحمة، والبيوت المغلقة أبوابها. في روايتي، لم أذكر اسم مدينة، ولم يكن المقصود أصلاً مدينة محددة. لكنّ كل المدن هي الصنارة التي تصطاد الناس من قراهم لتأكلهم ويصبحوا جزءاً من جسدها.

ما الذي دفعك إلى كتابة هذه الرواية، لا سيما أنها الأولى لك بعد ديوانين شعريين «تفاصيل» و»فاصلة»؟

مجرد مصادفة. أؤمن بأن الكتابة مصادفات وعبثية. يصادف أحياناً أن يولد أديب عظيم في عائلة غير متعلمة وغير مثقفة، أو في مكان مليء بالعنف والعذاب. الأدب سارق ماهر. يأتي مصادفةً وينقضّ علينا ويسوقنا إلى الكتابة. كتبت الرواية في فترة قصيرة حين لمعت في رأسي فكرة أمعاء المدينة، حيث يمتزج كل شيء بكل شيء، ونتحوّل كلنا إلى أجزاء صغيرة من مدينة كبيرة. كتابة الرواية تجربة رائعة جداً، وهي مختلفة عن الشعر.

الشعر ومضة ولحظة. الرواية أيضاً، لكنها لحظة تستمرّ لوقتٍ أطول، وهي عملية خلق، بحيث يصبح الكاتب مسؤولاً عن شخصياته، وعن الأحداث التي يطلقها في الفضاء. يصير صديقاً للافتراض الذي يرسمه.

ما دور الواقع والخيال في الرواية عموماً، وأيهما يطغى أكثر في روايتك؟

علمتني هذه الرواية أن الخيال والواقع متلاصقان أحياناً. القراءة السطحية للرواية تجعلها خيالية ربما، لكنّ القراءة الحقيقية تظهر أن الرواية محمّلة بالرموز والرسائل. وكل عنصر من عناصر الخيال، هو أحد رموز الواقع الأكثر واقعية.

ما أهمية الجائزة لدى الأديب، لا سيما إذا كان في بداية مسيرته الأدبية؟

الجائزة مبادرة جميلة وتحمّل الأديب أو الكاتب مسؤوليةً أكبر، ومن الضروري أن تقوم الجهات المعنية بعملية تقييم للأدب والأدباء، وتهنئة المتميزين وتشجيعهم، أسوةً بدول العالم كلها، لأنّ الأدب صورنا المبعثرة في هذا العالم.

إلى أي مدى أثّر عملك في الصحافة في الغوص في أعماق الحياة في المدينة؟

تركت الريف لأجل الصحافة. ثمّ بدأ صراعي مع المكان الجديد ومأساته وأفكاره. لم ينتهِ هذا الصراع، وكل ما في المدينة ما زال قادراً على إدهاشي واستيقافي لأيام وأحياناً لسنوات. الصحافة تجعل الشخص مواجهاً للواقع المديني والريفي، وهذه ليست حياةً سهلة. لا يستطيع الصحافي أن يدير ظهره لمأساة من حوله، وإن تمكّن من ذلك فليس لوقتٍ طويل.

أين موقع الفن الروائي في مسيرتك الأدبية؟

لا أدري. ولا أحبّ إعطاء أجوبة أكيدة. لا أقيّد نفسي بنوع أدبي معيّن. سأكتب في أي مكان تقذفني الريح إليه. مع العلم أننا نعيش عصر تداخل الأنواع الأدبية.

شعر وفواصل

في ديوانك «تفاصيل» نداء داخلي إلى الرجل، فأي رجل تتوقين إلى اكتشافه؟ المتعلق برجولته وتقاليده الشرقية أم المتحرر من قيود العادات والتقاليد؟

الرجل الشرقي غير منطقي في أماكن كثيرة، وغير صريح مع نفسه، وظالم. الرجل الذي تريده أي امرأة حقيقية، هو الرجل الفارس، الذي يملك قلباً قوياً وقدرةً على الحبّ والوفاء، وليس الرجل الذي يريد محو كيان المرأة لأجل التقاليد القديمة.

في شعرك كثير من الواقعية، فهل يمكن اعتباره تعرية لذاتك ونزع الأقنعة عنها؟

أنا غير متفلسفة في الكتابة وأحبّ أن يخرج القارئ من قصيدتي وحبة قمح عالقة في قلبه. أعرّي الواقع، أو أحاول أن أعريه، أن أجعله في متناولي، وفي متناول ضحاياه.

عنوان ديوانك الثاني «فاصلة»، إلام يرمز، وما أهمية الفاصلة في حياة كل منا؟

الفاصلة هي كل ما نحتاج إليه في هذا العالم. الفاصلة التي تعني التفكير والتأمل والقراءة والراحة، قبل المتابعة. إننا نعيش من دون فواصل. نقود سياراتنا ولا نرى المآسي التي تتمشّى في الشوارع، نتزوّج ونطلّق وننجب ونعود إلى وحدتنا ثم نموت، لكنّنا لا نفكّر بوضع فاصلة لمرّة واحدة.

لماذا اعتمدت طريقة الـ «هايكو» اليابانية في كتابة القصائد؟

أحبّ الإيجاز. تتعبني النصوص الطويلة كقارئة وككاتبة. يبثّ الهايكو المعنى العميق من دون كلام كثير، وهو أسلوب يشبهني ويشبه طريقة كتابتي. أحاول أن أكون خفيفةً على القارئ، وأن أبقى فيه، في الوقت ذاته.

ما الذي يدفعك إلى التحرر من الوزن في كتابة القصائد، الفكرة أم الرغبة في ابتكار أسلوب خاص بك؟

أعود إلى المصادفات. منذ البداية وأنا أكتب بهذه العبثية. شعري لا يمكن أن يكون موزوناً لأنّه يمشي في طريق آخر. الشكل عليه أن يتناسق مع المضمون. للشعر الموزون جو معيّن، وللشعر الحرّ أيضاً. ليس من الضرورة أن نجبرهما على التلاقي.

ما الجديد الذي تعملين عليه راهناً؟

أتابع في مهنتي في الصحافة وشرودي في هذه البقعة حيث نعيش. ربما سأكتب روايةً جديدة في مرحلة مقبلة. لكنني لست مستعجلة، أشعر بأنني أحتاج إلى إجازة صغيرة، أحتاج إلى فاصلة.

جائزة وزارة الثقافة للرواية

سلّم وزير الثقافة اللبناني المحامي ريمون عريجي خلال احتفالٍ أقامته الوزارة في قصر الأونيسكو ببيروت، الفائزة عن فئة الناشئين لرواية العام 2016 باسكال صوما جائزتها عن عملها الروائي »أسبوع في أمعاء المدينة«.

الجائزة عبارة عن مبلغ ماليّ قدره

5 ملايين ليرة لبنانيّة مقدمة من مؤسسة »أنطوانٍ شويري«، وطبعت الوزارة ألفي نسخة من الرواية، نصفها للفائزة والنصف الآخر يتم توزيعه على المكتبات العامة الشريكة مع وزارة الثقافة، فيما حجبت جائزة الرواية للكبار لعام 2016 لعدم توافر العناصر المرجوة في الروايات التي ترشحت.

تركت الريف لأجل الصحافة ثمّ بدأ صراعي مع المكان الجديد ومأساته وأفكاره

أحبّ أن يخرج القارئ من قصيدتي وحبة قمح عالقة في قلبه
back to top