هذه ظاهرة تشبه ما يحدث في الولايات المتحدة، فبينما تزداد شعبية ترامب تدريجياً (بتعيينه الذكي نساء وأناساً ليسوا بيضاً يتمتعون بمؤهلات عالية في مناصب أساسية) وينجح في تقويض حملة كلينتون-أوباما ضده، التي وصفته بـ"العنصري" و"المتحيز جنسياً"، يتبدد كل أثر لتلك الحملة المخادعة. علاوة على ذلك أدى حفاظ ترامب على ألف وظيفة في شركة Carrier في إنديانا إلى إسكات خصومه، باستثناء بيرني ساندرز الاشتراكي القديم بأفكاره عن المجتمعات التعاونية الذي راح يصيح متحدثاً عن خيانة القيم الرأسمالية. يتكلم ترامب ويتصرف كرئيس، حتى إن أعداءه المحافظين السابقين الذين تعاملوا معه بعدائية واضحة، أمثال دانيال هينينجر من صحيفة وول ستريت جورنال، بدأوا يكتبون بإعجاب عن الأداء المتقن والمحترف الذي يعرب عنه الفريق المسؤول عن عملية الانتقال والذي يقدم مرشحين ممتازين لمناصب مهمة.
في الغرب عموماً، لم تؤدِّ التداعيات الأولى إلى بروز أولئك الجهال الذين يرتابون الغرباء، علماً أن هذا ما كان كثيرون يخشونه. على العكس شهدنا تأكيداً موازياً للفردية السليمة، ففي المملكة المتحدة تبدو حكومة تيريزا ماي منهمكة بالكامل في مراقبة ما إذا كانت فرنسا وألمانيا ستُسقطان الدعامة المتأرجحة في بروكسل التي أخبر عن قمتها رئيس الاتحاد الأوروبي المزعوم، الضعيف والمرتعش جان-كلود يونكر، ترامب أن عليه أن يمضي السنتين التاليتين في دراسة أوروبا، وطالب أوروبا بأن تقدّم لبريطانيا عرضاً جدياً لإعادة التفاوض بشأن دخولها السوق المشتركة من دون أن يكون لها أي دخل في الاتحاد السياسي الفدرالي.تستعد فرنسا وألمانيا للانتخابات العامة في ربيع عام 2017، ففي فرنسا خبت التوقعات عن أن الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان، الحزب البورجوازي الصغير ذاك الذي يقوم على عدم الصوابية السياسية والتشكيك في النخب، والهجرة، والتعددية الوطنية، والعدائية الصريحة للمجتمع الإسلامي الأكثر تأثيراً في فرنسا الذي يضم نحو 5 ملايين نسمة (نحو 8% من كامل سكان فرنسا)، سيحتل وسط المسرح وقد يهدد بالفوز في الانتخابات.انتهى أمر اليسار الذي فاز بثلاثة من الانتخابات العشرة في الجمهورية الخامسة (منذ عام 1958)، وتدور المنافسة اليوم بين الديغوليين، المدافعين الشرعيين عن تقاليد مؤسِّس فرنسا الحرة في الحرب العالمية الثانية والجمهورية الخامسة شارل ديغول، ونسخة المحافظين الشعبوية العمالية التي تحقق نجاحاً أكبر في تحريك الناس. تشكّل ألمانيا قوة أكبر من فرنسا وبريطانيا العظمى، إلا أنها تحظى عموماً بتأثير أقل في أوروبا وغيرها من المناطق حول العالم لأنها لم تمارس خارج القارة النفوذ ذاته كالفرنسيين والبريطانيين. على غرار بريطانيا تبدو المعارضة في ألمانيا مجزأة، ومع أن الحزب الديمقراطي المسيحي الذي ترأسه ميركل انقسم تحت تأثير استقبال أكثر من مليون مهاجر فقير من الشرق الأوسط وإفريقيا، تبدو ميركل بعيدة كل البعد عن الهزيمة مع نحو 35% من الأصوات في سباق تتقدم فيه على خصومها اليساريين الوسطيين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بنحو 15 نقطة. كذلك يضم هذا السباق أربعة أحزاب أخرى، اثنان منها يمينيان واثنان يساريان، وتتراوح نسبتها من الأصوات بين 5% و15%.من بين الديمقراطيات الأطلسية الرئيسة إيطاليا وحدها لا تزال تغرق في الغموض. صحيح أنها دولة مهمة، إلا أنها تعجز عن قيادة أوروبا.في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، اليسار ضعيف ومفكك، وفي المقابل يزداد اليمين المعتدل بروزاً وسيواصل تقدمه على الأرجح، وفي الولايات المتحدة نجح اليمين المعتدل بقيادة ترامب في الحصول على كامل أصوات اليمين الشعبوي، في حين يبدو الديمقراطيون منقسمين بشدة بين يسار كلينتون المعتدل ويسار ساندرز المتطرف، ونشهد بعض القلق حيال بروز يمين له ميول متطرفة في بولندا، وإسبانيا، وهنغاريا، حيث يملك هذا اليمين تاريخاً طويلاً وغير مشرّف غالباً، مع أنه ما زال من المبكر دق ناقوس الخطر. ولكن في أميركا الشمالية والقوى الأوروبية الثلاث الكبرى، يُعتبر الوسط واليمين المعتدلان قويين ومتعقّلين، ويوشكان على تثبيت قبضتهما على السلطة. ويتبين من هذا أن نشر الخوف بشأن ترامب كان مجرد خدعة، وأن الأصداء التي ترددت بعده عن أن لوبان، وحزب استقلال المملكة المتحدة، وحزب البديل لألمانيا سينهضون معاً ويهددون الديمقراطية كانت عارية تماماً من الصحة، ولعل الأمر الوحيد الذي يتجلى في انتخابات عامَي 2015 و2017 هو أن الإجابة عن سؤال وليام باتلر ييتس الشهري يبقى: نعم، سيصمد الوسط، حتى إنه يبدو منيعاً.* «ناشيونال ريفيو»* كونراد بلاك
مقالات
اليمين المعتدل يفوز في أوروبا
13-12-2016