موجة انتقام غرب العراق تعكر صفو «التحرر» من «داعش»
يفيد شهود عيان ومصادر مطلعة بأن محافظة الأنبار الواقعة غرب العراق، والتي تحرر معظمها من داعش، تشهد موجة انتقام وأعمالاً ثأرية من جانب عناصر «الحشد العشائري السني»، بهدف تصفية حسابات قديمة استغلالاً لتهمة انتماء الضحايا إلى داعش.ويخشى المراقبون من توسع نطاق هذه العمليات التي لا تتناقل الصحافة أخبارها في العادة، كما يخشى الأهالي مناقشتها حتى في السوشيال ميديا، بينما يراقبها الموصليون بحذر، خشية انتقالها إلى مناطقهم التي بدأت تتحرر من داعش تدريجياً، لتتجه إلى مستقبل سياسي وأمني غامض.وتشهد الأنبار، وهي أكبر محافظة عراقية من حيث المساحة، اضطراباً سياسياً منذ تحرير الرمادي والفلوجة، أكبر مدن المحافظة، خلال الصيف الماضي. وقام البرلمان المحلي هناك بإقالة المحافظ (إخوان مسلمون) ثلاث مرات، ليقوم رئيس الحكومة حيدر العبادي (المصاب بالدوار من معارك الموصل) بالتدخل وحث القضاء الإداري على إعادته للعمل، حيث يمثل استقرار هذه المنطقة هدفاً حساساً لبغداد التي تجاورها من الشرق، بينما تقع حدود الأنبار الشاسعة غرباً بمحاذاة ثلاث دول هي سورية والأردن والمملكة العربية السعودية.
وتذكر المعلومات أن عشرات الاعتداءات وقعت شمال الرمادي وشرقها، حيث جرى تفجير المنازل بعد اتهام ساكنيها بأنهم متعاطفون مع داعش، وتتجه أصابع الاتهام إلى مقاتلين في الحشد العشائري السني الذي عمل مع الحكومة في أثناء المعارك. وتؤكد مصادر مستقلة أن معظم من تعرضوا للاعتداءات جرى تدقيقهم أمنياً والتثبت من عدم وجود صلة لهم بداعش، لكن خلافات عشائرية قديمة جعلت المسلحين يستغلون هذه الاتهامات لتفجير البيوت أو قتل الأفراد أحياناً. وتشير البيانات إلى أن القوات الأمنية الحكومية تقف متفرجة على الأعمال الانتقامية بحجة أنها نزاعات عشائرية لا يستطيع الجيش حسمها، في حين تعاني المحافظة غياب قضاء قوي مستقل ينظر في شكاوى الأهالي، ولا توجد جهة توثق هذه الحالات أو تحصيها.ويذكر بعض الضحايا أن الشرطة ألقت القبض على أحد المعتدين أثناء إحراقه منزل عائلة بتهمة الانتماء لداعش، لكنها أخلت سبيله في اليوم التالي حين اتضح أنه مقاتل في الحشد العشائري.وخرجت الرمادي من الحرب وهي مدينة مدمرة بنسبة ٧٠ في المئة، بينما لا توجد أموال كافية لإعادة إعمارها. ويهدد الثأر بهدم ما تبقى من منازلها، كما يخشى كثير من السكان.يجري هذا بموازاة مبادرات كثيرة يقوم بها المجتمع المدني لمحاولة استعادة الحياة، إذ شهدت الجامعة مثلاً معرضاً للكتاب، وتنظم جمعيات أهلية معارض فنية، ويقوم آخرون بحملات خيرية لإغاثة العوائل التي فقدت منازلها وممتلكاتها. ويقول الأهالي إنهم يحلمون بفتح صفحة جديدة بعد ١٣ عاماً من العنف الذي أصاب مناطقهم بالشلل، وهي التي كانت أكثر مناطق العراق ازدهاراً في الزراعة والتجارة والأعمال خلال تاريخ العراق الحديث.ويعرب كثيرون عن قلقهم الجدي من تفشي أعمال الثأر بسبب وجود سلاح غير منضبط، مع غياب التحقيقات الجنائية المهنية، فضلاً عن الطابع العشائري الحاد للمدينة التي تعتبر عاصمة الصحراء العراقية ومركزها، وعن الصراعات السياسية الحادة بين الحزب الإسلامي (إخوان مسلمون) وخصومه، وهم خليط من القوميين والتكنوقراط الذين نادرا ما يمتلكون خبرة سياسية كافية، الأمر الذي سمح لإيران وأطراف أخرى، باللعب على تناقضات الخلاف هذا، وعدم السماح بحصول استقرار سياسي، وهو ما تسبب بغياب الحوار الجاد بشأن مستقبل المحافظة إدارياً وأمنياً.