كان على الذين بادروا إلى التغني بـ"الانتصارات" التي حققها "الحلفاء" في شرقي حلب ألا يذهبوا بعيداً، وأن يدققوا في الأمور جيداً، إذْ إنه لا علاقة لـ"الجيش العربي السوري"، الذي هو جيش النظام ووريث "سرايا الدفاع" السيئة الصيت والسمعة، بهذه الانتصارات التي حققها الروس بقواتهم الأرضية وبصواريخهم ومدافعهم الثقيلة وبقاصفاتهم الاستراتيجية، وحيث إن كل ما قام به ضباط هذا الجيش، الذي من المفترض أنه كان قد أُعِدّ لتحرير الجولان وفلسطين، هو أنهم استُخدِموا في شرقي حلب كـ"أدلاء" أمام القوات الروسية الغازية وأمام الشراذم الطائفية التي تم استيرادها لتُنكِّل بالسوريين تسديداً لثارات مذهبية قديمة موهومة.

المفترض أنه حتى الذين بقوا ينظرون إلى ما يجري في سورية منذ عام 2011 بعيون مصابة بالحول يعرفون أنه لولا هذا الغزو الروسي الذي تحول إلى احتلال أجنبي غاشم لـ"القطر العربي السوري" لكان "صاحبهم" هذا قد "أصبح في خبر كان"! وأنَّ شرقي حلب بقي يواجه قصفاً جوياً روسيا شهوراً طويلة، وأن جنرال هذه الحرب المدمرة، لا هو بشار الأسد ولا وزير دفاعه الذي لا تعرف اسمه إلا دوائر المخابرات السورية، بل هو وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وأنَّ الذي قادها سياسياً وإعلامياًّ هو سيرغي لافروف، وليس هذا "المسكين" وليد المعلم ولا زميله الوافد الجديد محمد رامز ترجمان الذي منذ تعيينه، رغم كل هذه العواصف التي تضرب بلده، لم يصدر عنه إلا ذلك التصريح الذي قال فيه استجابة لخبر كاذب من إحدى وكالات الأنباء الإيرانية، إن "الأردن غير مؤهل للتوسط بين إسرائيل وسورية".

Ad

كان على هؤلاء الذين "صفقوا" لانتصارات الروس في شرقي حلب حتى احمرت أكفهم أن يتطلعوا من زوايا عيونهم المصابة بالحول في اتجاه مدينة تدمر التاريخية التي استعاد احتلالها تنظيم "داعش" الإرهابي بدون أي قتال، لا شكلي ولا جدي، لا من قبل "الجيش العقائدي"! ولا من قبل القوات الروسية التي كانت قد سلمت هذه المدينة التاريخية الاستراتيجية لعصابات هذا التنظيم على أنغام معزوفات فرقة موسيقية روسية.

ربما هؤلاء الذين أدموا أكفهم بـ"التصفيق" للانتصارات الروسية في شرقي حلب والذين بالطبع لم تثر نخوتهم اليعربية مشاهد قطعان الذئاب الطائفية والمذهبية وهي تطارد أطفال هذه المدينة التاريخية لم يقرأوا ذلك التصريح الذي أطلقه مدير المخابرات البريطانية أليكس ينجر، الذي قال فيه: "إن لدينا معلومات مؤكدة بأن الروس والنظام (نظام بشار الأسد) لا يريدون لا هزيمة داعش ولا إنهاء هذه الحرب... إنهم يريدون تحويل هذه البلاد إلى صحراء".

في كل الأحوال، على الذين أدموا أكفهم تصفيقاً للانتصارات الروسية في شرقي حلب أن يتذكروا أن الذين ذبحوا حماة في عام 1982 قد ظنوا أنه لن تقوم لهذه المدينة قائمة، وأن الذين دمروا حمص ما كانوا يعتقدون أنها ستبقى تقاتل... إنَّ على هؤلاء أن يدركوا أن هذا الذي يجري في سورية هو ثورة، وأنها سوف تنتصر لا محالة، لاسيما أنها تواجه جيوشاً وميليشيات مذهبية مستعارة جاءت من خلف الحدود البعيدة لتسديد ثارات طائفية موهومة قديمة!