حسم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خياره لتسمية ريكس تيلرسون وزيراً للخارجية غداة يوم مليء بالمشاحنات السياسية، التي لم تشهدها واشنطن منذ سنوات طويلة.

فالجدل الذي لم ينفك يتصاعد بين اقطاب المؤسسة السياسية، سواء الجمهورية أو الديمقراطية، بدا ضاغطا بشكل لافت على ترامب الذي لم تهدأ تغريداته ولا تصريحاته، من محطة "فوكس نيوز" الى طائرته الخاصة التي كان يتنقل فيها بين الولايات لتقديم الشكر لها على انتخابه، وإصراره على عدم حاجته لدور الأجهزة الأمنية وتقاريرها.

Ad

حجم الاتهام الذي وجه إلى روسيا، ولدورها في تزكية انتصاره، كان لابد أن يزيد من إصرار ترامب على متابعة سلوكه السياسي الذي درج عليه خلال حملته الانتخابية وبعدها.

غير أن اتهام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لموسكو أثار انقساما لا يعرف مداه بعد بين الأميركيين.

ورغم إعلان زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل عن ترحيبه بالتحقيق الكامل في تلك الادعاءات، مؤكداً أنها ليست قضية تخص حزبا واحدا، بل هي قضية مشتركة بين الحزبين، إلا أن موقفه بقي مبهماً، في الوقت الذي يندفع فريق ترامب الانتقالي ورموزه الرئيسية في التهجم على الأجهزة الاستخبارية الأميركية، في سابقة غير معهودة أو نادرة على الأقل.

بدورهم، لم يتوان الكثير من مؤيدي ترامب الجمهوريين عن محاولة تسخيف دور الأجهزة الأمنية، في الوقت الذي بدا واضحا انه طالما أن نتائج الانتخابات قد جاءت لمصلحتهم، فلا ضير من الدفاع عنها ولو بدا أن في الأمر "مؤامرة ما".

فنظرية المؤامرة سلاح ذو حدين وليست حكرا على طرف دون الآخر.

في المقابل حرصت قيادات الحزب الديمقراطي وحتى الرئيس المغادر باراك أوباما على إعلان أن التحقيق، الذي طلب من الأجهزة الأمنية انجازه قبل مغادرته للسلطة، لن يؤدي في مطلق الأحوال الى تغيير نتيجة الاقتراع.

فالأمر يتعلق بالناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في معزل عن معرفتهم أو إدراكهم بالأدوار التي يمكن ان تكون روسيا أو غيرها قد لعبتها في التأثير على خياراتهم.

كما حرصت تلك الأوساط على القول إن تقرير الـ"سي اي ايه" لا يهدف، ولا يمكنه بالطبع ان يؤثر على خيارات المجمع الانتخابي الذي سيلتئم في 19 من الشهر الجاري لتسمية ترامب رئيساً.

لكن انضمام جمهوريين الى حملة التشكيك بدور روسيا فرض مناخا محموما على واشنطن، والقى بظلاله على تسمية تيلرسون وزيرا للخارجية، ما يبشر بأن معركة نيله الثقة في مجلس الشيوخ قد لا تكون سهلة.

فالديمقراطيون الذي يحتلون 48 مقعدا مقابل 52 للجمهوريين لا يحتاجون إلا إلى 3 أصوات لإفشال اختيار تيلرسون، وهو ما ليس صعبا كما هو ظاهر حتى الساعة، فتيلرسون الذي تجمعه صداقة وشراكة خاصة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قرع اختياره الكثير من الأجراس، التي لم تصل الى حد اتهامه بالعمالة او التواطؤ، فالأمر ليس بهذه البساطة.

لكن اختياره مع غيره من اعضاء الإدارة الذين سماهم ترامب، يشير إلى أن مناخا مختلفا قد يكون مقبلا على الولايات المتحدة، والى احتمال تراجع مساحة الحريات السياسية والديمقراطية، على ما حذر منه أوباما نفسه في خطابه الأخير بالكلية الحربية في ولاية فلوريدا الأسبوع الماضي.

وقالت أوساط مقربة من المرشح السابق ميت رومني انه رغم كل التنازلات التي قدمها لترامب، فإنها لم تكن كافية لإقناعه بتسميته وزيرا للخارجية، ليكتشف الجميع ان ترامب كان يحتفظ باسم تيلرسون لإعلانه في الوقت المناسب.