أعطى اتفاق منتجي النفط من داخل منظمة أوبك وخارجها بواقع 1.2 مليون برميل يوميا للأعضاء و558 ألف برميل يومياً لغير الأعضاء دفعة جيدة لسوق النفط العالمي رفعت فيه أسعار البرميل، بما يوازي 10 في المئة، منذ إعلان الاتفاق الأول من نوعه للمنظمة منذ عام 2008، وكذلك الأول من نوعه للمنتجين من خارج «أوبك» منذ عام 2001.

ولعل هذا الاتفاق الذي يخفض الفائض من المعروض النفطي في السوق العالمي بنحو 70 في المئة سيدعم اسعار النفط في على المديين القصير والمتوسط، شرط التزام المنتجين بالحصص الجديدة للدول وعدم بروز عوامل اقتصادية سلبية غير متوقعة تزيد من حالة الركود العالمي وتقلل الطلب.

Ad

ما يهمنا في هذا الاتفاق في الكويت والخليج أنه يقدم فرصة لم تكن متاحة لإعادة تقييم مرئيات الإصلاح الاقتصادي والتي ظهر معظمها كردة فعل للهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية منذ يونيو 2014 بنحو 70 في المئة، وما ترتب عليه من عجز مالي في موازنات دول الخليج، إذ ان عودة اسعار النفط للتوازن حسب معظم المحللين، ومنهم صندوق النقد الدولي، بين 50 و60 دولاراً للبرميل لن تصل بالموازنات الخليجية الى نقطة التعادل، الا انها تجعلها تحت ضغط أقل مما كانت عليه خلال العامين الماضيين.

لقد ظلت خطط الإصلاح في الخليج خلال الفترة الماضية أسيرة لردة الفعل، بعد حدوث عجز مالي عقب نحو 15 عاما من الفوائض المالية الاستثنائية تمتعت بها على الأقل 4 من 6 دول في مجلس التعاون الخليجي، إلا انها لم تنعكس إيجاباً على اقتصادات هذه الدول التي بدت منكشفة بأسرع مما هو متوقع أمام تراجع أسعار النفط، فبدت اجراءات الاصلاح الاقتصادي مرتبكة الى حد بعيد دون النظر إلى الحلول الواقعية التي تمكن الدول من اصلاح اقتصادها، وليس فقط الخروج من دائرة العجز.

ويمكن تلخيص الارتباك الخليجي في مسائل الاصلاح الاقتصادي بعدد من النقاط الأساسية، أبرزها:

- غياب التركيز:

لم تركز هذه الدول بشكل عميق على الاختلالات الاساسية في الاقتصاديات الخليجية والتي يمكن حصرها بالاختلال الواضح في التركيبة السكانية، والذي يصل في بعض الدول الخليجية الى 90 في المئة للوافدين مقابل 10 للمواطنين، ولا على زيادة المداخيل غير النفطية والتي لا تزيد على 20 في المئة في أفضل الأحوال، ولا حتى على سوق العمل الذي يعاني توقعات سلبية جداً على المدى المتوسط، مع تنامي تحديات البطالة في مجتمعات تصل نسبة الشباب فيها الى ما فوق 70 في المئة.

- الإنفاق العام:

ركزت دول الخليج على اعتبار ان زيادة الانفاق العام على المشاريع ستفضي الى تحفيز الاقتصاد، وهو أمر لم يثبت اثره العملي في دولٍ دورُ القطاع الخاص التنموي فيها محدود وتابع للإنفاق العام، فضلاً عن أن الإنفاق الحكومي على المشاريع في الخليج خلال 10 سنوات (2005 - 2015) بلغ 900 مليار دولار، نصيب السعودية والإمارات منها 55 في المئة، ولم تستفد دولة خليجية من هذا الانفاق في سداد فجوة العجز في الميزانية عندما انحدرت اسعار النفط... وهنا يمكن الإشادة بقرار السعودية الخاص بوقف تنفيذ مجموعة من المشاريع غير الأساسية بقيمة إجمالية تتجاوز 200 مليار دولار.

-خطط الاصلاح:

في هذا العام أصدر عدد من الدول الخليجية خططا للاصلاح الاقتصادي، فاعتمدت السعودية برنامج التحول الوطني 2020 الذي يفترض أن يعمل على تنفيذ رؤية «السعودية 2030»، وأصدرت الكويت وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي لخمس سنوات مقبلة، وكذلك الأمر نفسه في الإمارات، ورغم أن هذه الخطط والوثائق أسهبت في وضع المشكلات والتحديات والحلول فإنها جميعا افتقرت إلى برنامج زمني فصلي وسنوي يبين نسب التنفيذ والانجاز الفعلي، إذ إن معايير النجاح والفشل لا تتضح عند الوصول إلى عام 2020 أو 2030، بل من خلال البيانات المقارنة ما بين أداء عامي 2017 و2018 مثلاً، لمعرفة مدى اتساق التنفيذ مع الخطط المعلنة.

- الديون السيادية:

بالغت دول الخليج فور دخولها دائرة العجز في الاتجاه نحو سوق الديون السيادية، فأعلنت أكثر من دولة ومنها الكويت عن اقتراضها لمليارات الدولارات في سبيل سد العجز في الموازنة، لا من أجل خلق مشاريع وكيانات استثمارية توفر للدول عوائد مالية منتظمة وغير نفطية لتقليل انكشاف الإيرادات العامة على أسعار النفط، فالاعتماد على قوة التصنيف ورغبة المؤسسات الدولية والمحلية في الاقراض يمكن ان تتراجع خلال سنوات قليلة ان لم يواكبها خطط لإدارة الدين السيادي اقتصاديا لا محاسبيا، وهذا ما تفتقده دول المنطقة.

- الإجراءات التقشفية:

خلال عام واحد اتخذت دول الخليج مجموعة من الاجراءات التقشفية تجاه المستهلكين تمثلت في رفع اسعار الوقود والكهرباء والماء، وأخيرا اقرار ضريبة القيمة المضافة، مما يرفع تقديرات التضخم خلال العامين المقبلين على الاقل، مع غياب لآليات المنافسة في السوق في عدد من دول المنطقة، وهنا يجب النظر للأضرار على المستهلكين والاقتصاد مع الاخذ في الاعتبار ان تكون اجراءات الاصلاح المالي ضمن مشروع واحد لا قرارات متفرقة.

من المؤمل أن يعيد اتفاق منتجي النفط الهدوء إلى عقلية متخذي قرارات الإصلاح الاقتصادي في المنطقة لاتخاذ سياسات تتجاوز ردة الفعل التي شابت فترة انخفاض اسعار النفط، وكذلك الإهمال الذي اتسمت به سنوات الفوائض المليارية.