هل يمكن أن يواجه فيلم موجة من الانتقادات تصل إلى حد السخرية اللاذعة عند عرضه في بلد ما، ثم تنهال عليه قصائد المديح والثناء في مناسبة عرضه في بلد آخر؟

سؤال أرقني، بعدما فوجئت بردود الفعل الإيجابية التي حققها فيلم «يوم للستات»، عقب عرضه في برنامج «ليال عربية»، ضمن الدورة الثالثة عشرة لـ «مهرجان دبي السينمائي الدولي» (7 - 14 ديسمبر 2016)، بينما لم يمض سوى شهر على موجة الاستنكار التي قوبل بها في المسابقة الدولية للدورة الثامنة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (15 – 24 نوفمبر 2016)، والتي وصلت إلى حد اتهام إدارة المهرجان بأنها «جاملت» بطلته ومنتجته إلهام شاهين. وقيل في مناسبة أخرى إنه «لم يرق إلى المستوى الفني الذي يؤهله لأن يكون فيلم افتتاح المهرجان».

Ad

شتان بين ما كتبته صحف «القاهرة» عن «يوم للستات»، واتسم في غالبيته بالسلبية، وبين الانطباعات الطيبة التي رأيتها على الوجوه في «مسرح سوق مدينة جميرا»، الذي شهد العرض الأول للفيلم في منطقة الخليج، والإشادة التي تلقتها أسرة الفيلم في الندوة التي أعقبت العرض، الذي اقتربت مدته على الشاشة من 110 دقائق، ولمس بعض مشاهده الإنسانية مشاعر الحضور وقلوبه، وإن بدت الجرعة غير مكتملة، نتيجة لتكرار القطعات الخشنة (مونتاج معتز الكاتب)، والمعالجة المبتورة للفكرة الطازجة التي كتبتها هناء عطية، في ثاني تجربة مع إلهام شاهين، بعد تجربتهما في فيلم «خلطة فوزية». وإن كنت أحسب أن أزمة فيلم «يوم للستات» تكمن في التناول الواقعي للفكرة (مركز شباب في حي شعبي يخصص يوماً للستات كي يمارسن السباحة) بينما كانت الحال ستصبح مختلفة، ومغايرة، في حال معالجة الفكرة بشكل «فانتازي»!

بالطبع مررت الفكرة غير المستهلكة رسائل كثيرة، على رأسها أن اختيار المكان «حمام السباحة»، والوسيلة «الاستحمام»، جعلا التطهر، ونفض الهموم، والتحرر من القيود، فضلاً عن إعلاء شأن المرأة، بعد طول تحقير، ومحو النظرة الدونية إليها من الرجل، وفضح ازدواجية المجتمع، محطات مضيئة أضفت على الفيلم قيمة، ورسخت أهدافاً نبيلة، خصوصاً أن الفيلم لم يخل من حوار ساخر، ومواقف كوميدية رائعة. لكن المخرجة كاملة أبو ذكري أفرطت في تقديم مشاهد يغلب عليها الابتذال والترخص، وربما السوقية (مشاهد «جمعة» ورفاقه، ومشهد التشهير بالقطعة الداخلية لإحدى السيدات)، وعمدت إلى تحجيم انطلاقات بعض الفنانين، مثل محمود حميدة ونيللي كريم وإياد نصار، فيما تركت الحبل على الغارب لإلهام شاهين (منتجة الفيلم)، التي لا ننكر نجاحها في توظيف خبراتها، واستثمار نضجها، في أكثر من موضع في الفيلم، لكن مشاهدها تحولت، في النهاية، إلى «مونودراما» مسرحية!

وقعت أحداث «يوم للستات»، كما نوهت العناوين، في مارس 2009 بالقاهرة، وهو ما أتاح للمنتجة/ البطلة أن توجه تحية بالصوت والصورة إلى رأس النظام في تلك الفترة، بحجة دعمه الفقراء وانحيازه إلى «الغلابة». لكنها عجزت عن مواصلة تبييض وجه النظام، عندما اضطرت إلى الالتزام بما كتبته المؤلفة، وحملته مسؤولية تغلغل التطرف، الذي وجد تربة خصبة تحت ظله (شخصية أحمد الفيشاوي الذي كفر والده وأهل الحارة جميعاً)، كذلك ألقت عليه تبعات دهس الفقراء تحت قضبان قطار أو غرقاً في أحضان عبَارة!

تبقى موسيقى تامر كروان إحدى العلامات الفارقة في «يوم للستات»، خصوصاً في براعة تصوير حال نساء وفتيات الحارة في حمام السباحة، وما بعد عودتهن إلى الديار، وكأنها المقابلة بين الحياة والموت، بالإضافة إلى التوظيف الذكي من المخرجة للأغاني (شمس الشموسة صباح/ لما راح الصبر منه لشريفة فاضل)، وحالة الظمأ التي تسيطر على الشخصيات، وأيضاً مشاعر الألفة والدفء التي تستشعرها بين أبطال الفيلم، والأجواء التي تُعيدك إلى تجربة المخرج رضوان الكاشف في «ليه يا بنفسج».

لكن الفيلم عانى كثيراً من القفزات غير المبررة، ربما بسبب خلل ما في السيناريو، الذي ألقى برسالته على عجل «كلنا مجروحين.. وكلنا بنقاوم»، من دون أن يتعمق أو يُعمق الشخصيات الكثيرة، التي جامل أصحابها الصديقة/ المنتجة على حساب مكانتهم (هالة صدقي مثال صارخ)!