جواب يذيب الشوكولاته

نشر في 16-12-2016
آخر تحديث 16-12-2016 | 00:15
 جري سالم الجري قضمت شوكولاته فتذكرت مقالتي في 8-10-2016 وهي بعنوان "سؤالٌ ذاب بالشوكولاته"، كانت فلسفة الغَزل بين الصبر والمتعة، رغم أننا في زمن الدول فيه تتهاوى والمجاعة تتنامى، فكيف أتلذذ بالشوكولاته وأتفلسف بها؟ تركيبها الجُزيئي كريستالي. مجهرياً لوح الشوكولاته ليس إلا كومة طوابقٍ من المثلثات المتداخلة ببعض، التي كلما تخللها اللُعاب الحِمضي تفتحت كنوزها التغذوية، فازدياد التمتع يستخرج فوائدها.

كنوزها التي لا تُستخرج إلا بالهضم الفموي، توسع الصدر بالثيوبرومين الذي يرخي عضلات الرئة، يزيد السعادة بالسيريتونين والدوبامين، تحمي القلب من أمراضه كلها، فسبحان الذي جعل المتعة مفتاح الانتفاع، ولكن هل في كل شيء؟

الصبر ليس "تَزَقم" ما تكره وهَجْر ما تحب، فالراجحي أحب التجارة فباع فحماً، يعطيه إياه أهل البيوت بعدما يكنسون رماد بيوتهم، فغدا صاحب أجود شركة روبيان في العالم بشهادة متخصصي الصين. الناجحون قادهم حبهم، لا قهرهم لنفسهم، مثل الجاحظ في الأدب، وابن سينا في الطب، ودافينشي في الاختراعات، ولكن ألم نتعلم من الإسلام أن "الأجر على قدر المشقة؟".

إسلامنا العَملي بريء من هذا، فلقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه العبارة بأنها ليست بحديث، ووصفها بأنها ما يردده الجهلاء، فالله غني عن عناء عباده، بل العلم والعمل لا يُرجى منهما إلا نفعهما، وكلما زادت السهولة كثر العمل وتعجل الإنتاج، وبهذا نستوعب أسرع قفزة حضارية في تاريخ البشرية، قفزةُ ساكني الخيام الذين سيطروا على أعظم إمبراطوريتين في الزمان: فارس والرومان. فرغم أن كتب استراتيجيات الحرب تنهى عن فتح جبهتي قتال في الوقت نفسه فإن المسلمين سحقوا هاتين الإمبراطوريتين في الوقت نفسه. ولولا هذا المفهوم للصبر ما طبقوا سورة العصر! فإنهم وعوا الصبر بحقيقته وهو الجلد والعمل والدعاء والتعبير، بخلاف تجمدنا الميداني، وبطالتنا المقنعة، وتعاجزنا عن كلمة (آمين)، وعن انسحاباتنا الإعلامية. ناهيك أنه حتى خشوع الصلاة فهمناه على أنه تجاوز مشقة طول وقتها، رغم أنه لا أجر "للمتبلد" بل لمن استحضر معانيها، ولكن هل علوم الدماغ تساند نظرة كهذه لمفهوم الصبر؟

مُحاضرة ستانفورد كشفت تجربة القرود وآلة القِمار، فكانت أدمغة القرود موصولة بجهاز يكشف نسبة الدوبامين (هرمون السعادة) أثناء لعبها بالآلة، فكانت النتيجة أنه كلما استحضر القرد في نفسه الإحساس الإيجابي بأنه سينال الفستق حسب ذاكرته الحسية، يلعب بحماس وقوة، مما يترجم علميا كل ما سبق طرحه، وهو أن المتعة وقود الصبر، كما أن الدكتور راتب النابلسي قد أعرب عن أن الصبر تسديد الشهوات، فتأثم بالحرام وتؤجر بالحلال، وجهاد النفس هو إدارتها لا قتلها.

عجباً لقضمة الشوكولاته، فتحت لي عوالم من الأفكار وأسعدتني، ومن الطريف طبياً أن الانغماس بقضمة الشوكولاته يستخرج منها مواد الـ"بولي- فينولات" التي تُدخل الدماغ في حالة مُطابقة للماريغوانا!

back to top