اتفاق حلب الأخير: أميركا دولة ثانوية!
ربما، لا بل من المؤكد، أن اتفاق حلب الأخير، سواء صمد أو لم يصمد، أظهر تراجع الدور الدولي للولايات المتحدة الأميركية وتقدم دور روسيا الاتحادية، التي أصبحت، شئنا أم أبينا، تنفرد بهذا الصراع المحتدم حالياً في سورية، الذي لم يعد، بسبب ميوعة وتردي المواقف التي صار يتخذها الرئيس (الراحل) باراك أوباما وإدارته، صراعاً، فهو تزاحم كوني انتهت ورقته بعد نحو 6 أعوام إلى يد القيصر الروسي الجديد فلاديمير بوتين.وحقيقة إن هذا ليس مجرد خطأ عابر وقع فيه أوباما وإدارته، فالرئيس الأميركي (الراحل) كان سبب تراجعه عن خطاب جامعة القاهرة الشهير هو اقتناعه المستجد بأن الشرق الأوسط الذي غدا "برميلاً" متفجراً لم يعد كما كان منطقة مصالح حيوية للولايات المتحدة، ولذلك فإن على واشنطن أن تبحث عن مصالحها في الشرق الأقصى البعيد، وأن تولي الاهتمام الرئيس لأوضاعها الداخلية، وبخاصة أنها لم تعد بحاجة إلى الممرات المائية ولا إلى البترول والطاقة الشرق أوسطية (الخليجية)!وبالطبع، فإن هذا إن لم يكن حولاً سياسياً فإنه إما "مناكفة" سخيفة، أو نتيجة تقديرات سطحية سقيمة، والدليل هو أن الروس قد سارعوا إلى ملء الفراغ الذي أحدثه الانكفاء الأميركي، فأصبحت لهم قواعد عسكرية على الأراضي السورية، أهمها قاعدة "حميميم" الاستراتيجية فعلاً، وأصبحت بوارجهم وأساطيلهم في الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، وكل هذا بينما كان بالنسبة إليهم مجرد أحلام يقظة سواء في عهد القياصرة أو الاتحاد السوفياتي أن تلامس أصابع أقدامهم ما يسمى "المياه الدافئة"!
كان دوايت إيزنهاور، ببعد نظره وكعسكري استراتيجي، قد استغل اللحظة السانحة في عام 1956، أي بعد نحو 10 أعوام من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأدخل الولايات المتحدة رقماً أساسياً، لا بل الرقم الأساسي في المعادلة الشرق أوسطية بعد هذه الحرب، عندما تصدى للعدوان الثلاثي على مصر، وحال دون سيطرة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على قناة السويس ومنع الاتحاد السوفياتي، الصاعد في ذلك الحين، من الانفراد بمنطقة الشرق الأوسط التي كانت ولاتزال منطقة حيوية واستراتيجية.لكن ها هي الولايات المتحدة تصبح، بعد 8 أعوام من حكم الديمقراطيين وباراك أوباما، دولة ثانوية في هذه المنطقة التي لاتزال استراتيجية ورئيسية، وإلا فما معنى أن ينفرد الروس بالأزمة السورية وهي أزمة دولية، وما معنى أن يأخذ بوتين أمور هذه المنطقة بيده؟ومن الأنكى والأدهى أن واشنطن تخلت عن تركيا التي هي من أهم دول هذه المنطقة، وعضو مؤسس في حلف شمال الأطلسي، والتي بقيت تشكل جداراً منيعاً في وجه الاتحاد السوفياتي، حتى عندما كان في ذروة قوته وتألقه.