شعر المواطنون بقدر كبير من التفاؤل بخريطة الطريق التي رسمها سمو رئيس مجلس الوزراء، وأعلنها عقب تشكيل الحكومة الجديدة، ووضع من خلالها يده على الجروح التي تعانيها الكويت لسنوات طويلة، حيث ركز على العديد من المشاكل، ومن أبرزها مكافحة الفساد، وكلف الوزراء اتخاذ إجراءات عاجلة ضد القضايا التي تثير شبهات تتعلق بإهدار المال العام والقضاء على مظاهر الفساد بجميع أشكاله وتجفيف منابعه. وإذا كانت الحكومة الجديدة جادة في محاربة الفساد فعليها أن تكون واقعية وتضع النقاط فوق الحروف، وتحدد من هم الفاسدون الذين "يشقون ويخيطون" ويجندون أنصارهم لخدمة قضاياهم، سواء أكانت على حق أم باطل، وبحكم علاقاتهم ومعارفهم يستطيعون شراء ذمم ضعاف النفوس بسهولة، ولديهم القدرة على أن يجعلوا من النملة فيلاً ومن الفيل نملة.
والفساد لا يتمثل في إهدار المال العام فقط، بل في تولي المناصب العليا، وحتى المتوسطة التي توزع بشكل "محاصصي" وفئوي للتنفيع أو من أجل إرضاء البعض، رغم أن الدستور يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ولكن الواقع غير ذلك تماماً، حيث إن هناك إقصاء للكفاءات الحقيقية وتدويراً لعدد محدد من الشخصيات، بل إن بعضهم يتولى أكثر من منصب، وكأن البلد عقيم يختزل في أسماء وفئات معينة.والفاسدون لديهم احترافية ويستغلون الثغرات الكثيرة في القوانين، فمثلاً جهة أو مؤسسة حكومية تنشر إعلان توظيف، وعندما يتقدم من تنطبق عليهم الشروط تظهر شروط جديدة، لأن الإعلان الذي يتم نشره شكلي، والمعينين معرفون مسبقاً، ولدينا عشرات القضايا المنظورة أمام المحاكم بسبب التعسف في التعيين، حيث تكون الأولوية للأقارب وأصحاب الواسطات، ولكن القضاء دائماً ينتصر للعدالة.ولم يعد الفساد يقتصر على الأفراد بل تعداه إلى التجمعات والحركات السياسية التي لا تخجل من تغيير نهجها أو وعودها لإصلاح البلد في مقابل مناصب إدارية توزع على قياداتها في الوقت الذي يحكتر فيه البعض المشاريع والمناقصات، وبأسعار تتعدى التكلفة بفروق خيالية لحلب المال العام، لا لبناء الدولة، ويستعينون بذلك بمن ضغطوا لتعيينهم في المناصب العليا، أو من دعموا نجاحاتهم في مجلس الأمة أو غيره من المجالس الانتخابية.إن روائح الفساد تفوح في عموم البلاد ومن يريد التأكد من ذلك فعليه أن يذهب إلى ديوان المحاسبة ويرى التقارير التي تعد أكبر دليل على ذلك، حيث تُظهر الكم الهائل من الفساد، فأغلبية الوزارات والمؤسسات غارقة في الفساد، ولم نرَ توقيع أي عقوبة على أحد أو محاسبة مسؤول، ولا يمكن أن ننسى كلام صاحب السمو أمير البلاد، حفظه الله، الذي قال عن فساد البلدية إنه لا تحمله البعارين.ووسط هذه الأجواء الملبدة بغيوم الفساد علينا أن نشعل جميعاً مصابيح الأمل، خصوصاً في ظل حكومة ومجلس أمة جديدين بهما العديد من الوجوه التي نتمنى أن تعي خطورة المرحلة الراهنة والتطورات التي تحدث في المنطقة، ولذا نتمنى أيضا أن تشهد المرحلة المقبلة إنجازات على أرض الواقع في الصحة والتعليم والإسكان والطرق والوظائف، وأن يختفي الفساد، وتكون المصلحة العامة هي العليا ومصالح المواطنين هي الأولوية... والله ثم الوطن من وراء القصد.
مقالات - اضافات
متى تنقشع سحابة الفساد؟
17-12-2016